القرنين الماضيين من أحوال القبائل البدائية التي كانت تعيش في إفريقيا وآسيا وأستراليا منعزلة تماما عن تيار المدينة لا يعرفون شيئا عن العالم من حولهم، ولا يعرف العالم شيئا عنهم. فقد وجدوا تلك القبائل تعيش عيشة جماعية..أرض القبيلة ملك مشترك لها جميعا لا ينفرد فيها أحد بملكية خاصة، والطعام مشترك بينهم سواء كان صيدا بريا أو بحريا أو غير ذلك، يطهى للقبيلة كلها وتأكل منه القبيل كها دفعة واحدة. وأسلحة الصيد والحرب ملك للقبيلة كلها كذلك. وقال فريزر -وهو مرجعهم الأكبر فيما زعموا من أحوال البشرية الأولى- إنه اكتشفت بعض القبائل تمارس ألوانا من الشيوعية الجنسية, إما كل النساء لكل الرجال على المشاع، وإما مجموعة معينة من النساء لمجموعة معينة من الرجال داخل القبيلة الواحدة.
ونستطيع أن نتصور بالفعل -على ضوء أحوال هذه القبائل التي اكتشفت في القرنين الأخيرين- أن حياة القبائل الأولى كان فيها قدر كبير من المشاركة الجماعية في المسكن والمطعم وأدوات الصيد وأدوات الحرب.
ففي النظام القبلي تكون القبيلة هي "الوحدة" التي يعيش الأفراد في داخلها، ويمارسون الحياة من خلالها، وفي وقت متأخر جدا من بداوة البشرية -وقت كانت قد قامت فيه "حضارات" كثيرة في بقاع مختلفة من الأرض- كان الشاعر العربي يقول:
وهل أنا إلا من غزية إن غوت ... غويت، وإن ترشد غزية أرشد!
فيعبر بذلك عن انسياحه الكامل في القبيلة وعدم استقلاله بذاتيته حتى مع علمه أن قبيلته تكون أحيانا على الرشد وأحيانا على الغي، وليست راشدة في جميع أحوالها.
فإذا كان هذا في حياة العرب قبيل الإسلام، فلنا أن نتصور أن القبائل التي وجدت في تاريخ سابق على ذلك كثيرا كانت على ذات الصورة من التمركز في القبيلة, وانسياج كيان الأفراد في كيان القبيلة الكلي في السلم والحرب والرشد والغي على السواء!
فإذا أضفنا إلى ذلك أنه في بداوة البشرية الأولى لم يكن هناك شيء يمتلك -إلا القليل النادر- أمكننا أن نتصور كذلك أن الملكية الفردية لم تكن قائمة في ذلك