وهذه السكينة بصرف النظر عن الدافع الجنسي الذي يمكن أن يتحقق بأية وسيلة.

ولا يتنافى هذا مع كون الأسرة تكوِّن ترابطا اقتصاديا من نوع ما، فليس هناك في النفس البشرية تناقض ولا تنافر بين عناصرها المختلفة، ولا يلزم من وجود أحدها نفي الآخر ولا نبذه كما تقول التفسيرات الضيقة المتعسفة, ولا يلزم من قوة أحدها أن يكون سائرها تابعا له أو نابعا منه كما تقول تلك التفسيرات، إنما توجد كلها -مع قوتها وأصالتها- جنبا إلى جنب، متفاعلا بعضها مع بعض في الكيان البشري الكبير, الذي كرمه الله بعوامل شتى، وهذا التعدد وهذه السعة هي ذاتها من عوامل التكريم؛ لأننا لا نجدها -بهذه الصورة- في الكائنات الأدنى من الإنسان.

والأسرة -كما ثبت من التجارب غير المتحيزة- ضرورة لتنشئة الأطفال الأصحاء من الوجهة النفسية، ومهما حاولت المحاضن أن تدعي أنها تقوم مقام الأسرة الطبيعية في هذا الشأن فهي واهمة في ذلك أو مغالطة، فإن في مقدور المحاضن أن تعطي رعاية صحية كاملة "للجسد" وتوجيها عقليا مبنيا على قواعد العلم "أيا كان مبلغ هذا العلم من الصحة" ولكنها لا تستطيع قط أن تعطي الرعاية النفسية المطلوبة للتنشئة الصحيحة للأطفال, بسبب غياب الأم المتخصصة التي يشعر الطفل بملكيتها -وحده- ملكية كاملة1.

ولسنا نقول مع ذلك إن الإنسان لجأ إلى تكوين الأسرة؛ لأنه وجد فيها نوعا من التنظيم الاقتصادي أو وجد أنها الطريقة المثلى لتنشئة الأطفال.

إنما نقول إن الله العليم الخبير الذي يعلم أن الأسرة هي التي تحقق التنشئة السليمة للأطفال حين تتخصص الأم فيها لهذه المهمة الخطيرة، قد جعل الحنين إلى تكوين الأسرة جزءا من الفطرة، تشعر فيها بالسكن والسكينة، وتشعر في خارجها بالقلق وفقدان السكينة ولو حققت كل مطالب الجنس وكل الاكتفاء الاقتصادي، ثم نظم سبحانه وتعالى العلاقات الاقتصادية داخل الأسرة بحيث تكون المرأة مكفولة كفالة كاملة دون أن تحتاج إلى العمل خارج البيت لكي تستطيع التفرغ لمهمتها الأصلية, فكلف الرجل بإعالتها -لا تفضلا ولكن تكليفا- وكلفها هي رعاية شئون البيت والأطفال، ثم جعل في فطرة كل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015