و"العلم" الذي يحارب الماديون به الأسرة يأخذ البشرية بطولها من أولها إلى آخرها!
ففي البدء كانت الشيوعية الجنسية فلم تكن هناك "أسرة" بالمعنى المتعارف عليه.
وفي بقية التاريخ كانت الأسرة قائمة لأسباب اقتصادية ومتوافقة مع تلك الأسباب الاقتصادية.
وفي نهاية التاريخ -التي يريدونها أو يتخيلونها أو يخيلونها للناس- تنتهي مهمة الأسرة وتزول من الوجود، على أسس "علمية"!
فأما الشيوعية الجنسية فسنتحدث عنها في الفقرة القادمة، ولكنا نقول هنا إن كل ما قالوه في وصفها لا يستند إلى دليل علمي حقيقي, إنما هو استنباطات مغرضة من أحوال القبائل المتأخرة التي عثر عليها في آسيا وأفريقيا وأستراليا في القرنين السابقين.
وأما قيامها لأسباب اقتصادية فيكفينا أن نشير فيه إلى ما شرحناه من قبل في مناقشة التفسير المادي للقيم الإنسانية من أن الاقتصاد والأوضاع الاقتصادية جانب مهم في حياة الإنسان، ومؤثر من المؤثرات القوية فيها، ولكن هذه الحياة أوسع وأشمل من أن تفسر بجانب واحد أو عامل واحد مهما يكن من سعته وقوة تأثيره، إنما المؤثرات كلها -على اختلاف كل منها عن الآخر وأصالته الذاتية- روافد تصب في المجرى الكبير الذي يشكل حياة البشرية, والاقتصاد واحد من هذه المؤثرات ورافد من الروافد، ولكنه ليس وحده الذي يتحكم في حياة الناس، وليس هو الذي يفسرها, إنما التفسير الأشمل والأصح أن النفس البشرية بكاملها هي التفسير الصحيح للحياة البشرية بكاملها. والنفس تحوي -ولا شك- عناصر كثيرة غير العناصر المادية حتى في ضلالها وجاهليتها!
يقول خالق هذه النفس سبحانه وتعالى وهو أصدق القائلين: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} 1.
هذا السكن وهذه السكينة عنصر عام في نشأة الأسرة واستمرارها مدى التاريخ البشري كله، وهو سبب نابع من "الفطرة" التي تحب هذا السكن