الملكية الفردية، فيكرهون -بالتالي- كل نظام أو فكرة يقف في طريق القضاء عليها.
ثم إن النظام الشيوعي -كما سنرى ونحن نناقش المذهب الاقتصادي في صورته التطبيقية- يريد أن يجعل الولاء للدولة وحدها دون أحد آخر، ويريد من الأفراد أن يذوبوا ذوبانا كاملا في "النظام" و"الدولة" و"الحزب" و"الزعيم" فلا يكون لهم ارتباط بشيء آخر خلاف هذه الولاءات الضرورية للنظام، ومن ثم فإنهم يكرهون الأسرة؛ لأنها -بداهة- ارتباط قائم بذاته مستقل عن الدولة ولو كان مواليا لها في ظاهر الأمر أو تحت الضغط البوليسي للدولة.
فإذا كان النظام الشيوعي -بالإضافة إلى ذلك- يصل إلى حد تجنيد الشعب كله في التجسس بعضه على بعض ليأمن قيام أي تجمع مضاد، أدركنا أن حنقه على الأسرة لا بد أن يكون أشد؛ لأن الولاء الفطري داخل الأسرة هو نوع من التجمع، مهما يكن صغيرا فإنه يمكن أن يكون نواة لتجمع أكبر، وهو في جميع الأحوال حائل دون الجاسوسية الدقيقة على كل فرد من أفراد الشعب.
وبالإضافة إلى ذلك كله فإن من الضمانات التي يعتمد عليها النظام الشيوعي تربية الأولاد منذ نعومة أظفارهم على الولاء الكامل للنظام والدولة والحزب والزعيم.. وهذا يقتضي الإشراف الكامل عليهم منذ ولادتهم حتى لا توجد "جرثومة" واحدة مفردة يمكن أن تنشر العدوى في نطاق أوسع، والأسرة -أو مشاعر الارتباط الأبوي- عائق من عوائق هذا الإشراف الدقيق الذي يعتمد عليه النظام؛ لأنها تجعل ولاء الأطفال -أو جزءًا منه على الأقل- مرتبطا بأعضاء الأسرة من الآباء والأخوة.
لذلك كله تكره الشيوعية الأسرة كراهية خاصة مركزة وسط الكراهية العامة التي يتوجه بها إلى الأسرة ذلك المخطط الشرير الذي يهدف إلى إفساد البشرية واستحمارها.
ولكن أصحاب المخطط يحبون -دائما- أن يغلفوا مخططهم بالعلم والنظريات العلمية ليكون ذلك أدعى إلى تقبل الناس له وعدم اعتراضهم عليه، و"العلم" في الجاهلية المعاصرة يقوم مقام "السحر" في الجاهليات البدائية التي كانت تؤمن وتتعامل معه، ويدخل النفوس بسهولة ويتمكن منها في لحظات ... ولو كان قائما على غير أساس!