والآفات والعوارض الجوية فيتخيل قوى غيبية يسند إليها إخراج الزرع من الأرض وإنضاجه وحمايته، فيتعبدها ويسترضيها لتحفظ له المحصول الذي تقوم حياته عليه.

ثم يزول الجهل والعجز بالتقدم العلمي والتكنولوجي فيتعرف الإنسان رويدا رويدا على قوانين الطبيعة، ويسيطر تدريجيا على البيئة، فتقل حاجته إلى "افتراض" القوى الغيبية، وحين تصبح عملية الإنتاج مادية بحتة في العصر الصناعي ويسيطر العامل على كل خطواتها من أول استخراج المادة الخامة إلى تشكيلها في صورتها النهائية ... فعندئذ تزول الحاجة إلى التدين نهائيا وينتهي دور الدين في حياة البشرية.

ومن جانب آخر فإن الطبقة الحاكمة سواء في الإقطاع أو في الرأسمالية تستخدم الدين -الذي هو أسطورة لا حقيقة لها- في تخدير الجماهير الكادحة لترضى بالظلم في الأرض طمعا في الجنة في الآخرة.

ونقول بادئ ذي بدء إنه من التعسف تفسير ظاهرة وجدت في جميع العصور وجميع الأجيال بتفسير خاص في كل جيل من الأجيال! إنما ينبغي -من الوجهة العلمية البحتة- أن نبحث عن أسبابها في الأصول الثابتة لا في المتغيرات!

إن دلالة خمسين قرنا -على الأقل- من تاريخ البشرية المكتوب، فضلا عن قرون أخرى غير مكتوبة لا يعلم عددها إلا الله، لا يمكن أن تلغى بجرة قلم مهما يكن جبروت هذا القلم وطغيانه! ولا يمكن أن تلغى لأن جيلا واحدا أو جيلين قد تنكرا للدين لأسباب معروفة ومرئية وغير خافية على الذين يبحثون عن الحق ويحبون أن يهتدوا إليه!

في كل تلك القرون التي لا يعلم عددها إلا الله كانت ظاهرة التدين قائمة, فلماذا نقول إن سببها في الجيل الفلاني كان كذا وفي الجيل الفلاني كان كذا وفي الجيل الآخر كان أمرا آخر؟!

أهذه هي طريقة "البحث العلمي الموضوعي" وتلك هي مناهجه؟!

هل يمكن مثلا أن نرد الدافع الجنسي إلى أسباب مادية أو إلى أسباب تختلف في جيل عنها في جيل آخر؟ أليس وجود هذا الدافع على مدى التاريخ البشري يجعلنا نقول إنه في أصل الفطرة لا هو مكتسب ولا هو راجع إلى أسباب خارجية في البيئة المحيطة بالإنسان؟!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015