فلماذا نقول عن التدين -الذي وجد على مدى التاريخ البشري- إنه راجع إلى البيئة وإلى أسباب متغيرة، وليس أصلا من أصول الفطرة؟
أمن أجل أن جيلا من البشر أو جيلين قد تفشى فيهما الإلحاد؟!
لقد تفشت الرهبانية في المجتمع المسيحي عدة قرون، وكان ينظر إلى التخلص من الدافع الجنسي أو كبته أو قهره على أنه قمة الارتفاع النفسي والروحي، فهل يلغي هذا العارض الذي تفشى في مجتمع معين لفترة معينة كل دلالة التاريخ، ويجعلنا نقول إن أسبابا معينة في البيئة هي التي توجد دافع الجنس وإنه يمكن أن يزول من الوجود في يوم من الأيام؟!
لماذا إذن نفرق بين ظاهرتين متشابهتين بل متماثلتين فنعطي إحداهما تفسيرا ونأبى على الأخرى ذلك التفسير؟
كلا! إن الهدف واضح، وهو أن الشيوعية -اليهودية المنشأ- تريد أن تقيم مجتمعا بشريا على الإلحاد الكامل والبعد الكامل عن الدين، فتروح تزعم أن الدين ليس من الفطرة، وأن أسبابا معينة في البيئة أو في موقف الإنسان من البيئة هي التي أنشأت ظاهرة التدين فيما مضى من التاريخ، وأن هذه الأسباب الآن قد زالت فينبغي للدين أن يزول!
إن وجود عوامل خارجية في الكون المادي وفي البيئة المحيطة بالإنسان تبعث مشاعر التدين في الإنسان أمر نعلمه ونقره..
إنها ذلك الكون ذاته بضخامته المعجزة ودقته المعجزة.
إنها ظاهرة الحياة والموت التي تبهر حس الإنسان وتثير عجبه وتطلعه.
إنها ظاهرة حدوث الأحداث وجريانها من ليل ونهار ونور وظلمة وولادة وموت وصحة ومرض وغنى وفقر واجتماع وافتراق ... إلخ.
إنها ظاهرة عجز الإنسان عن السيطرة الكاملة على الكون مهما بلغ من سيطرة، وعن الإحاطة الكاملة بأسراره مهما بلغ من علمه، وعجزه الكامل عن الخلق والإنشاء من العدم1.
إنها هي التي نبه إليها رب العالمين في كتابه الكريم ليوقظ وجدان البشر إلى تفرد الله بالألوهية والربوبية ووجوب إفراده بالعبادة والنسك وتحكيم شريعته في الأرض: