تنشأ منه كل القيم وكل الأخلاق! وإن كنا نقرر من باب إحقاق الحق أن الوضع الاقتصادي يتخذ أهمية بالغة في كل جاهليات التاريخ، بحيث يبدو أنه هو المسيطر. وأنه هو الأساس، إذ تتوارى القيم الأخرى كلها وتحتجب، فتبرز القيم المادية وتصبح هي الأساس، ولو أن التفسير المادي للتاريخ اكتفى بأن يقول إنه يفسر الجاهليات البشرية لكان أقرب إلى الصواب، أما أن يزعم أنه يفسر "التاريخ" ... كل التاريخ.. فزعم واسع يكذبه التاريخ! ومع ذلك فالجاهليات ذاتها -كما سنبين- لا يستوعبها استيعابا كاملا ذلك التفسير الجاهلي للتاريخ!

إذا اكتفينا بهذا القدر في مناقشة القضايا الرئيسية في التفسير المادي للتاريخ، وهي قضية مادية الخالق وقضية مادية الإنسان وقضية مادية القيم الإنسانية، فلا بأس أن نستعرض بعض القضايا المترتبة عليها، ونختار من بينها قضية "الدين" وقضية "الأسرة" وقضية "الشيوعية الأولى" وقضية "الملكية الفردية" وقضية "التطور" وقضية "الحتميات" وكلها من القضايا ذات الأهمية الخاصة في التفسير المادي للتاريخ.

1- التفسير المادي للدين:

يقول التفسير المادي للتاريخ إن الإنسان الأول تدين؛ لأنه كان جاهلا بقوانين الطبيعة من حوله، فصنع من قوى الطبيعة آلهة، فالبرق إله والرعد إله والريح إله والمطر إله ... إلخ؛ ولأنه كان جاهلا بالبيئة وغير قادر على السيطرة عليها، فجعل من أشجارها وحيوانها آلهة معبودة يستمطر رضاها ويتوقى غضبها، ويقدم لها الصلوات والقرابين. ومصدرهم في كثير من هذه الأمور هو "فريزر" في كتاب "الغصن الذهبي" الذي استغلوه استغلالا كاملا كما استغلوا دارون من قبل، وإن كانوا هم يشيرون إلى أبحاث "مورجان"1 ولا يشيرون إلى فريزر!

أما في العهد الإقطاعي -أو الزراعي- فالناس متدينون؛ لأن عملية الإنتاج تشتمل على جانب لا يملك الإنسان السيطرة عليه، وهو جانب الإنبات والإنماء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015