الجديد ... ومن ثم تكون "الأخلاقيات" الجديدة المضادة تماما للأخلاقيات الزراعية هي المناسبة للوضع الجديد، وينشئ الطور الجديد عقائده وأفكاره وأخلاقياته فتستجيب لها النفوس وتتكيف معها بصورة طبيعية!
ولكن هذا الذي يقوله التفسير المادي للتاريخ يكذبه الواقع أشد التكذيب.
فأما ضعف المشاعر الدينية. وزوال سيطرة الأب، وفقدان قضية العفة أهميتها، وتفكك الأسرة، وممارسة الحرية الكاملة في علاقات الجنس فقد حدثت حقا، سواء كان سبب ذلك هو "التطور الحتمي" المصاحب لتغير الطور الاقتصادي كما يقول التفسير المادي للتاريخ, أم كان سببه التخطيط الشرير الهادف إلى إفساد البشرية لاستحمارها واستعبادها كما نزعم نحن..
أما الاستجابة "الطبيعية" فلم تحدث على الإطلاق!
إن رد الفعل الذي حدث من ذلك كله هو انتشار القلق والجنون والانتحار والأمراض النفسية والاضطرابات العصبية وإدمان الخمر والمخدرات واتساع نطاق الجريمة وجنوح الأحداث والشذوذ الجنسي.
ومؤتمراتهم وإحصائياتهم هي الشاهد على ذلك.
ودلالة ذلك واضحة ...
فلو أن النفس البشرية ليس لها كيان محدد ولا صورة ينبغي لها أن تكون عليها، ما حدث رد الفعل المرضي الذي حدث بالفعل في حياة الناس ولاستجابت استجابة "طبيعية" للشكل الذي شكلت به، سواء كان الذي حدد الشكل هو التطور الحتمي أو التخطيط الشرير ...
إنما هذه الاستجابة المرضية معناها أن الحضارة التي قدمت للناس -تحت أي ظل وأي عنوان- هي حضارة لا تناسب الكيان البشري السوي، لا تناسب مقومات النفس البشرية الأصيلة، لا تناسب الوضع السليم الذي ينبغي أن يكون عليه الإنسان، لمفارقتها للقيم الإنسانية الصحيحة.
وإذن فهناك قيم معينة، أصيلة وثابتة، ينبغي أن تكون قائمة في حياة الناس أيا كان الطور الاقتصادي الذي يعيشون فيه، وحين تخالف هذه القيم فإن الحياة تضطرب وتختل ولا يعود لها ميزان.
ويكفينا هذا لإثبات أن القيم العليا هي أشياء قائمة بذاتها، ومطلوب وجودها في الحياة البشرية؛ لأن هذه الحياة لا تستقيم بدونها، كما يكفينا هذا لنفي تلك الأسطورة القائلة بأن الوضع الاقتصادي هو الأصل الوحيد الذي