واقتصاديا وتاريخيا- وتشيد النظام المنتصر -ماديا واقتصاديا وتاريخيا- وتمكن له في الأرض.
وببساطة نقول: إن هذا لا يفسر كل الثورات التي حدثت في التاريخ. ودع جانبا الآن ظهور الإسلام وتمكنه في رقعة فسيحة من الأرض ورقعة فسيحة من التاريخ، فسنفرد له حديثا خاصا في الرد على التفسير المادي للتاريخ بجملته، ولكنا نستشهد عليهم من نظريتهم!
فهم يقولون إن الثورات الناجحة هي التي توافق سير الحتمية التاريخية فتأتي في إبانها الصحيح، وتكون متوافقة مع الظروف -أو الحتميات- المادية والاقتصادية ويكون الصراع الطبقي فيها قد نضج إلى حد الذي ينجح الثورة، أما الثورات التي لا توافق خط سير هذه الحتميات، ولا يكون الصراع الطبقي فيها قد نضج إلى الحد المعقول، فإنها تفشل مهما بذل فيها من الضحايا!
يا سبحان الله! إذن فليس السبب في قيام الثورات هو هذه الحتميات! إنما التوافق مع هذه الحتميات -كما يقولون- هو الذي يؤدي إلى نجاح الثورة. أما قيامها فلا بد أن يكون له سبب آخر أغفله -عامدا- التفسير المادي للتاريخ!.
لا بد أن يكون السبب كامنا في "الإنسان"! في كيانه الأصيل. في كراهيته للظلم، وتطلعه إلى الحق والعدل الأزليين، سواء تحقق العدل في عالم الواقع أم لم يتحقق لسبب من الأسباب!
القضية الثالثة أو المدخل الثالث هو ظهور الأعراض المرضية في حياة الإنسان حين تكون "الحضارة" التي يعيش فيها غير مناسبة لكيانه السوي.
والشاهد الحي على ذلك هو المجتمع الأوروبي في الجاهلية المعاصرة.
لقد زعم التفسير المادي للتاريخ أن أخلاقيات المجتمع الزراعي من شدة "التدين" إلى سيطرة الأب في الأسرة والحفاظ على العرض والاهتمام بالعفة الجنسية والترابط التعاوني ... إلخ كانت مجرد انعكاس للوضع الاقتصادي في الطور الزراعي، وليست قيما أصيلة قائمة بذاتها، وأنه حين تغير الطور الاقتصادي ودخل الناس في العصر الصناعي فإن من طبيعة الطور الاقتصادي الجديد أن يضعف التدين, وتزول سيطرة الرجل بسبب تحرر المرأة اقتصاديا، وتزول غيرته على عرضه، وتفقد قضية العفة أهميتها، وتتفكك الأسرة.. إلخ. ويكون هذا كله هو الانعكاس الطبيعي للوضع الاقتصادي