وركز عليها، وضخمها، حتى بدت اختلافات جوهرية في حياة الإنسان! والسبب في ذلك أنه لم يقارن أبدا بين الصورتين المتغايرتين تغايرا جوهريا: صورة الإيمان وصورة الضلال على جميع الأطوار المادية والاقتصادية، إذن لتبين له أن الفوارق الحقيقية ليست قائمة بين الاقتصاد الرعوي والاقتصاد الزراعي والاقتصاد الصناعي، إنما هي بين الاقتصاد الرعوي -والحياة الرعوية بجملتها- على خط الإيمان وعلى خط الضلال، والاقتصاد الصناعي -والحياة الصناعية بجملتها- على خط الإيمان وعلى خط الضلال، ولتبين له كذلك أن الحياة بجملتها على خط الإيمان -في الحالة الرعوية والحالة الزراعية والحالة الصناعية- ذات سمات أساسية مشتركة هي قيامها على الحق والعدل والترابط الإنساني والأخوة وغلبة المحبة على الصراع "مهما يكن في داخلها من هزات واضطرابات ناشئة من إخفاق الناس في تطبيق المنهج الرباني بالصورة الواجبة" وأن الحياة بجملتها على خط الضلال -في الحالة الرعوية والحالة الزراعية والحالة الصناعية- ذات سمات أساسية مشتركة هي قيامها على الظلم والطغيان والصراع على متاع الأرض القريب.

القضية الثانية: أو المدخل الثاني لقضية أصالة الإنسان ووجود سمات جوهرية أصيلة فيه لا تتغير بتغير الوضع المادي والاقتصادي هو ظاهرة الثورات في التاريخ البشري.

لماذا يثور الإنسان إذا لم يكن له كيان أصيل ينبغي أن يكون عليه؟

بعبارة أخرى: إذا كان الإنسان قابلا للتشكل الدائم بحسب الوضع المادي والاقتصادي دون أن يكون له شكل ثابت أو حدود ثابتة يرجع إليها فلماذا يثور على أي وضع من الأوضاع يكون قد تشكل به في أثناء رحلته التاريخية على الأرض؟

يقول التفسير المادي للتاريخ -ويحسب أنه قد حل القضية بذلك- إن الحتمية المادية والحتمية الاقتصادية والحتمية التاريخية هي الجواب! هي التي تفسر سبب الثورات. فإنه إذا انتهى الدور التاريخي لأي طور من الأطوار الاقتصادية ووصل الصراع الطبقي إلى درجة "النضوج" حسب الحتمية التاريخية والحتمية المادية والاقتصادية، أي: بمقتضى الحركة التاريخية للمادية الجدلية ... إذا حدث ذلك كله حدثت الثورة التي تهدم النظام المنهزم -ماديا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015