...
أولا: المادية الجدلية
المادية الجدلية تصور خاص لقضايا الألوهية والكون والحياة والإنسان يقوم على أساس مادي بحت، على أساس أن المادة هي الشيء الوحيد الأصيل في هذا الكون، وأن كل ما في الكون ومن فيه منبثق من المادة ومحكوم بقوانين المادة, ولا وجود له خارج نطاق المادة، كما يقوم هذا التصور من جهة أخرى على أساس وجود التناقض في طبيعة المادة، ومن ثم في كل ما ينبثق عنها من مخلوقات ومن كيانات بما في ذلك الكيان الإنساني، فهو كيان مادي من جهة، ومحكوم بصراع المتناقضات من جهة أخرى، وتلك هي حقيقة كل أفكاره ومشاعره، وكل نظمه ومؤسساته، وكل قيمه ومبادئه، وكل حركته خلال التاريخ.
وقد قلنا في التمهيد السابق إن ماركس لم يكن هو مبتدع الجدلية أو التفكير الجدلي على العموم، فقد أخذ هذا التفكير عن هيجل، ولكنه خالفه فيه مخالفة أساسية، إذ قال هيجل إن الفكرة هي الأصل وهي سابقة في وجودها على المادة ومسيطرة عليها، وقال ماركس إن المادة هي الأصل وهي سابقة على الفكرة ومسيطرة عليها.
يقول ماركس: "لا يختلف منهجي الجدلي في الأساس عن منهج هيجل فقط، بل هو نقيضه تماما، إذ يعتقد هيجل أن حركة الفكر التي يجسدها باسم الفكرة، هي مبدعة الواقع الذي ليس سوى الصورة الظاهرية للفكرة, أما أنا فأعتقد على العكس، أن حركة الفكر ليست سوى انعكاس حركة الواقع وقد انتقلت إلى ذهن الإنسان"1.
ومن ثم سميت جدلية هيجل الجدلية المثالية وجدلية ماركس الجدلية المادية أو المادية الجدلية.
أما أصل التسمية -في لغتها الأصلية- فهي مأخوذة عن الإغريقية، ومستمدة من الحوار الفلسفي الإغريقي عز وجلialogos الذي كان يمثل وجهتي نظر مختلفتين تتجادلان حتى تتبين الحقيقة من خلال الجدل، وغالبا ما تكون الحقيقة مزيجا من وجهتي النظر المختلفتين، ولكن يظهر جليا في أثناء الحوار