غير أن يستلهم فيها الطبيعة المنثورة التي يعيش فيها وتدور حوله"1.

"إن عقل الإنسان في منطق هذه الفسلفة -أي: ما فيه من معرفة- وليد الطبيعة التي تتمثل في الوراثة والبيئة والحياة الاقتصادية والاجتماعية ... إنه مخلوق، ولكن خالقه هو الوجود الحسي. إنه يفكر، ولكن عن تفاعل مع الوجود المحيط به، إنه مقيد مجبر، وصانع القيد والجبر هو حياته المادية. ليس هناك عقل سابق على الوجود المادي، كما أنه ليست هناك معرفة سابقة للإنسان عن طريق الوحي.. عقل الإنسان ومعرفته يوجدان تبعا لوجود الإنسان المادي, هما انطباع لحياته الحسية المادية التي يتنفسها"2.

أما الجدلية فقد سبق إليها "فيشته" و"هيجل".

وقد كان الأصل في التفكير الجدلي "الديالكتيكي" هو البحث عن تصور فلسفي يسمح بوجود المتناقضات في الكون والحياة ويفسرها. ذلك أن المنطق اليوناني القديم "الذي يسمى المنطق الصوري Formal logic" ينفي وجود التناقض في الكون والحياة، ويقيم تفكيره على أساس أن الشيء ونقيضه لا يمكن أن يجتمعا بل لا يمكن أن يوجدا أصلا، فوجود أي شيء هو ذاته نفي قاطع لوجود نقيضه.

ولكن الفكر الأوروبي منذ عصر النهضة -وإن كان قد رجع إلى الفكر الإغريقي يستمد منه- كانت له التفاتات مختلفة عنه في مجالات متعددة، حتى إذا كان النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي عصر سيادة العقل في الفكر الأوروبي المسمى عندهم "بعصر التنوير" قام فلاسفة يشيرون إلى وجود التناقض في الكون والحياة ويحاولون تفسيره، من أبرزهم "فيشته" و"هيجل" فأما فيشته "1762-1814م" -كما يقول الدكتور محمد البهي في كتابه السابق الذكر- فقد استخدم مبدأ النقيض كي يدعم سيادة العقل كمصدر للمعرفة مقابل الدين والطبيعة3.. وأما "هيجل" "1770-1831" فيستخدم مبدأ النقيض لتأكيد قيمة العقل من جهة، ثم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015