ويقول راندال:

"إن لأقرب إلى الطبيعي والمعقول أن نشتق من صور المادة كل شيء موجود؛ لأن كل حاسة من حواسنا تبرهن على وجودها، ونختبر كل لحظة نتائجها بأنفسنا، ونراها فاعلة متحركة، تنقل الحركة وتولد القوة دون انقطاع، من أن نعزو تكون الأشياء لقوة مجهولة ولكائن روحي لا يستطيع أن يخرج من طبيعته ما ليس هو بذاته، كائن يعجز بحكم الجوهر المنسوب إليه أن يفعل أي شيء أو أن يحرك أي شيء1!!

هكذا سار الاتجاه المادي الملحد بخطوات حثيثة حتى جاء القرن التاسع عشر، فظهرت الفلسفة الوضعية التي تقول بسيادة الطبيعة على الدين والعقل، واعتبارها هي الأصل الذي ينبثق عنه كل شيء.. والذي يبعث الأفكار في العقل البشري، وكان من أهم فلاسفتها "أوجست كومت" و"فرباخ".

ويذكر الدكتور محمد البهي في تلخيصه الجيد للفكر الغربي في تلك الفترة في كتابه "الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي" أن هذه الفلسفة التي تدعو إلى سيادة الطبيعة، إن لم نقل عبادتها، قد قامت في جو معين حيث تولدت الرغبة في نفوس كثير من العلماء والفلاسفة لمعارضة الكنسية التي كانت تملك نوعا خاصا من المعرفة تستغله في معارضة خصومها وهي المعرفة الدينية، فقام هذا الفريق من العلماء والفلاسفة بالهجوم الشديد عليها باسم العلم، وقامت هذه الفلسفة الوضعية على أساس تقدير الطبيعة وحدها مصدرا للمعرفة اليقينية.. ثم يقول: "ومعنى تقديرها للطبيعة على هذا النحو أن الطبيعة في نظرها هي التي تنقش الحقيقة في ذهن الإنسان، وهي التي توحي بها وترسم معالمها ... هي التي تكون عقل الإنسان، والإنسان -لهذا- لا يملى عليه من خارج الطبيعة، أي: لا يملي عليه مما وراءها، كما لا يملى عليه من ذاته الخاصة..إذ ما يأتي من "ما رواء الطبيعة" خداع للحقيقة وليس حقيقة!! وكذا ما يتصوره العقل من نفسه وَهْم وتخيل للحقيقة وليس حقيقة أيضًا".

"وبناء على ذلك يكون "الدين" وهو وحي "أي: ما بعد الطبيعة" خداع! هو وحي ذلك الموجود الذي لا يحدده ولا يمثله كائن من كائنات الطبيعة".

"وهي وحي لله الخارج عن هذه الطبيعة الكلية، وكذلك "المثالية العقلية" وهم لا يتصل بحقيقة هذا الوجود الطبيعي، إذ هي تصورات الإنسان من نفسه من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015