مما وراء الظواهر الطبيعية الحسية، والبحث عن العلة في هذا المجال، فأمر يجب أن يرفض، ولهذا تكون كل نظرية أو كل فكرة عن وجود له طابع الحقيقة فيما وراء الحس نظرية أو فكرة مستحيلة"1.
وهكذا يتفق المذهب العقلي مع المذهب التجريبي في البعد عن الله وتجنب البحث عن الغاية من الخلق، والنظر في "الطبيعة" بدلا من النظر فيما وراء الطبيعة, أي: في عالم الحس بدلا من عالم الغيب.
ثم كان نيوتن ونظرياته خطوة دافعة على الطريق!
فقد اكتشف نيوتن بعض ما سمي عندهم "قوانين الطبيعة" التي يجري الكون المادي بمقتضاها، وكشف عما يسمى عندهم "قانون السببية" أي: القانون الذي يفسر ظواهر الطبيعة بردها إلى أسبابها الظاهرة، وقد كان هذا في أوروبا ذريعة لنفي الأسباب غير الظاهرة وغير المحسوسة. أي: نفي الأسباب الغيبية2.
يقول برينتون:
"إن السببية تهدم كل ما بنته الخرافات والإلهامات والمعتقدات الخاطئة في هذا العالم" ويمضي فيقول: "الإله في عرف نيوتن أشبه بصانع الساعة. ولكن صانع هذه الساعة الكونية -ونعني بها الكون- لم يلبث أن شد على رباطها إلى الأبد، فبإمكانه أن يجعلها تعمل حتى الأبد، أما الرجال على هذا الأرض فقد صممهم الإله كأجزاء من آلته الضخمة هذه ليجروا عليها، وإن ليبدو أن ليس ثمة داع أو فائدة من الصلاة إلى الإله صانع هذه الساعة الكونية الضخمة، الذي لا يستطيع إذا ما أراد التدخل في شئون عمله"3!!
ويقول:
"ولكن ثمة أناس ذهبوا إلى أبعد من ذلك واعتبروا فكرة الإله فكرة شريرة, وخاصة إذا ما كان إله الكنيسة الكاثوليكية, وأطلقوا على أنفسهم بكل فخر اسم الملحدين، وهم يعتقدون أن ليس ثمة وجود لمسيح أو لإله المسيحية، ويقولون إن الكون ليس إلا مجموعة متحركة ذات نظام معين يمكن فهمه باللجوء إلى السببية المعتمدة على أسس العلوم الطبيعية"4.