ويقول جرين برينتون عن الحركة الإنسانية وفنونها:
"إنه طالما كانت العصور الوسطى في الواقع عصورا دينية، وطالما أن عصر النهضة يعني على الأقل محاولة العودة إلى الوثنية اللادينية إن لم نقل الزندقة. فإن فن العصور الوسطى يرتبط بالكنسية، أما فن عصر النهضة فيتمتع بحرية بوهيمية.."1.
وهذا الاتجاه المنسلخ من الدين، المتجه إلى المادية، لم يقفز دفعة واحدة من الروحانية الدينية إلى المادية اللادينية، ولا استقام نحو هدفه في طريق واحد خال من الذبذبات. ولكنه كان في كل قفزة يتجه إلى المادية أكثر، ويبعد عن الله أكثر، وإن عاد فهي عودة مؤقتة سرعان ما يتخلص منها ويمضي مبعدا في الطريق المنسلخ عن الدين. فقد انفصلت الفلسفة عن الدين بادئ ذي بدء ونبذت البحث فيما "وراء الطبيعة" كما كانوا يطلقون على أمور الغيب المتعلقة بالله سبحانه وتعالى وخلقه لهذا الكون، والغاية من هذا الخلق، والوحي الرباني المتضمن للقيم الدينية التي ينبغي أن يتبعها الإنسان من أجل الخلاص في الآخرة, واتجهت الفلسفة إلى دراسة "الطبيعة" والكون المادي، والإنسان باعتباره كائنا موجودا في الطبيعة، لا بوصفه كائنا قد خلقه الله لغاية معينة وهدف يؤديه، وكان التقدم العلمي الذي حدث منذ بدء النهضة أحد العوامل الهامة التي ساعدت على اتجاه الفكر الأوروبي ذلك الاتجاه من خلال المذهب العقلي والتجريبي.
يقول برينتون عن المذهب العقلي:
"فالمذهب العقلي يتجه إلى إزالة الله وما فوق الطبيعة من الكون ومن الوجهة التاريخية، فإن نمو المعرفة العلمية وازدياد الاستخدام البارع للأساليب العلمية يرتبط بشدة مع نمو الوضع العقلي نحو الكون2.
ويقول الدكتور محمد البهي عن المذهب التجريبي:
"إن تحصيل الإنسان للحقائق الكونية ومعرفته بها لا يكون إلا بالتجربة الحسية وحدها، ومعنى ذلك أن الحس المشاهد لا غيره هو مصدر المعرفة الحقيقية اليقينية، ففي العالم الحسي تكمن حقائق الأشياء، أما انتزاع المعرفة