يجرؤ أحد على معارضته بسبب عدم وجود نظام ديمقراطي، فلو أننا اتخذنا الديمقراطية -مع تحكيم شريعة الله- أمنا من طغيان الحكام.

ويبدو هذا القول وجيها لأول وهلة.. ففي النظم الديمقراطية القائمة في الغرب لا يطغى الحكام بهذه الصورة، ولا يعتقلون الناس بعشرات الألوف، ولا يعذبونهم في السجون، ولا يقتلون أحدا بالتعذيب داخل الأسوار، مما تعرض له الدعاة المسلمون في أكثر من مكان من العالم الإسلامي.

ولكن القضية إذا أنعمنا النظر فيها لا تبدو بهذه الوجاهة التي تبدو عليها للوهلة الأولى.

فلا يوجد نظام في الأرض -حتى النظام الرباني- يعمل من تلقاء نفسه دون قيام البشر على حراسته، أو يعطي الضمانات للناس دون أن يحرص الناس على التمسك بهذه الضمانات.

والديمقراطية ليست نظاما آليا يحمل ضماناته في طياته ويطبقها من ذات نفسه! إنما هي -ككل نظام- تعتمد على البشر الذين يقومون بالتطبيق.

وانظر إلى تاريخ الديمقراطية في بلادها التي تطبقها وتتمتع بضماناتها. إنه تاريخ نضال مستمر وثورات ودماء! والذي أعطى الضمانات -كما أشرنا أكثر من مرة في هذا الفصل- لم يكن هو الديمقراطية في ذاتها، إنما كان نضال الشعب وثورته على الظلم، وتحمله التضحيات والضحايا في سبيل الحصول على حقوقه، وبهذا النضال نال الشعب ما نال من حقوق وضمانات.

ولكن تعال الآن فحاول تطبيق الديمقراطية في بلاد لم تناضل ولم تتجه للنضال من أجل الحريات والضمانات والحقوق، فماذا تفعل الديمقراطية للناس؟! هل تصون لهم حقوقهم وتعطيهم ضماناتهم؟

إن الديمقراطية ليس ثوبا يشترى جاهزا ويلبس، إنما ينبغي أن يفصل تفصيلا على قد لابسه! لا بد من "المعاناة" التي تعطي ثمرة التجربة!

حين ثار المصريون ثورتهم "الوطنية"1 عام 1919، كان تشرشل وزيرا في وزارة المحافظين القائمة يومئذ في بريطانيا، فجاءت أخبار الثورة في الصحف فسأل تشرشل: ماذا يريدون؟ "يعني المصريين" قالوا له: يريدون دستورا وبرلمانا! فقال تشرشل: أعطوهم لعبة يتلهون بها Give them a toy

طور بواسطة نورين ميديا © 2015