ولكن الإسلام أعطى هذه الضمانات والحقوق كلها مع المحافظة التامة على إنسانية الإنسان. وهنا مفرق الطريق بين الإسلام والجاهليات جميعا، ومن بينها هذه الديمقراطيات!
لقد كرم الله الإنسان ابتداء كما أسلفنا:
{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} 1.
وكل ما فرضه الإسلام من الفرائض والتكاليف، وكل ما قرره من الحقوق والواجبات منظور فيه إلى "تزكية" الإنسان، وهي جزء من التكريم المراد للإنسان، بل هي قمة ذلك التكريم.
فعبادة الله وحده دون شريك -فضلا عن كونها حقا لله على عباده- هي في الوقت ذاته تزكية للإنسان وتكريم، فالإنسان كما قلنا آنفا عابد بطبعه لابد أن يعبد، ولا يوجد إنسان لا يعبد، إنما الفارق بين إنسان وإنسان يأتي من توجيه العبادة إلى الله الحق، أو توجيهها إلى إله زائف لا يستحق أن توجه العبادة إليه.
والإنسان في أعلى حالاته وأكرم حالاته حين يكون عابدا لله الحق، وهو أسفل سافلين حين ينتكس من عبادة الله إلى عبادة غير الله من الآلهة المدعاة، التي تهبط بالإنسان من إنسانيته المكرمة، فيصبح كالدابة التي لا تعي، بل يصبح أسوأ وأضل:
{لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} 2.
فعبادة الله الواحد، وإفراده بالألوهية والربوبية التي يفرضها الإسلام حقا خالصا لله تعالى، هي في الوقت ذاته رفعة للإنسان وتكريم، وفلاح في الدنيا والآخرة سواء، وتزكية ترفع الإنسان إلى عليين:
{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} 3.
{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي