ورغم قلة الموارد في أول أيام الدولة الإسلامية فإن المبدأ قد تقرر واضحا محددا وهو أن الدولة مسئولة عن جميع رعاياها بقدر ما تسمح مواردها، وعلى الرغم من أن التكافل في الإسلام ليس مهمة الدولة وحدها، فقد أمر الله سبحانه وتعالى بالتكافل في داخل الأسرة وحدد لذلك نظاما دقيقا توزع التركات بمقتضاه، كما وزع التكاليف داخل الأسرة بحيث تشمل مجموع أفرادها، كما أمر بالتكافل في داخل المجتمع، وحض القادرين على كفالة غير القادرين.. على الرغم من ذلك فإن مسئولية الدولة ظلت قائمة، لا يسقطها عنها وجود التكافل في داخل الأسرة وفي داخل المجتمع، بل تصل الحساسية في قلب عمر رضي الله عنه أن يقرر مسئولية الدولة لا عن الآدميين الذين يستظلون بظلها فحسب، بل عن كل كائن حي، فيقول قولته الشهيرة: لو عثرت بغلة بالعراق "أو قال بصنعاء" لكنت مسئولا عنها لِم لم أسو لها الطريق! ثم يصل الأمر في أيام عمر بن عبد العزيز أن يقول يحيى بن سعيد: بعثني عمر على صدقات إفريقية فاجتبيتها بحثت عن فقراء أعطيها لهم فلم أجد فقد أغنى عمر بن عبد العزيز الناس! فاشتريت بها عبيدا فأعتقتهم!
وجاء في كتاب "الأموال" للإمام الحافظ أبي عبيد القاسم بن سلام المتوفى عام 224هـ "ص357, 358" وحدثي سعيد بن أبي مريم عن عبد الله بن عمر العمري عن سهيل بن أبي صالح عن رجل من الأنصار قال: كتب عمر بن العزيز إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن -وهو بالعراق- "أن أخرج للناس أعطياتهم" فكتب إليه عبد الحميد، "إني قد أخرجت للناس أعطياتهم وقد بقي في بيت مال المسلمين مال" فكتب إليه: "أن انظر كل بكر ليس له مال فشاء أن تزوجه فزوجه وأصدق عنه" فكتب إليه: "إني قد زوجت كل من وجدت وقد بقي في بيت مال المسلمين مال" فكتب إليه بعد مخرج هذا: "أن انظر من كانت عليه جزية فضعف عن أرضه فأسلفه ما يقوى به على أرضه، فإنا لا نريدهم لعام ولا لعامين".
وجاء فيه "ص738":
"قال: حدثني يحيى بن بكير قال: سمعت الليث بن سعد يقول: كتب عمر بن عبد العزيز: "أن اقضوا عن الغارمين". فكتب إليه: "إنا نجد الرجل له المسكن والخادم والفرس والأثاث" فكتب عمر: "إنه لا بد للمرء المسلم من مسكن يسكنه وخادم يكفيه مهنته، وفرس يجاهد عليه عدوه، ومن أن يكون له