أبي رجل طوال لا يكفيه البرد الذي ناله كبقية المسلمين، فأعطيته بردي ليأتزر به! عندئذ يقول سلمان: الآن مر نسمع ونطع!
ولم يكن سلمان متمردا على السمع والطاعة الواجبة للحاكم المسلم، إنما كان يريد فقط أن يستوثق -لله- من كون عمر رضي الله عنه قائما بتنفيذ شريعة الله على الوجه الأكمل, وكان عمر يعلم دافع سلمان إلى مساءلته فيرضى -لله- بهذه المساءلة التي لم يقبلها على نفسه حاكم في الديمقراطية الليبرالية الرأسمالية ولا في غيرها من نظم الحكم على الإطلاق!
ويقول عمر: إذا أحسنت فأعينوني، وإذا أسأت فقومني! فيقول له سلمان: والله لو وجدنا فيك اعوجاجا لقومناه بحد السيف، فيقول عمر -راضيا لله- الحمد لله الذي جعل في رعية عمر من يقومه بحد السيف!!
تلك هي الحرية السياسية في الإسلام! منشؤها عبادة الله وحده دون شريك، التي يترتب عليها نزع القداسة عن الحكام في الأرض. كما يترتب عليها نزع حق التشريع من الحكام بستار أو بغير ستار.. فيحس المؤمن الذي يعبد الله حق عبادته بعزة الاستعلاء التي تسنده أمام الحكام.
خطب عمر الناس فقال: لا تغالوا في المهور. فقامت له امرأة من عامة المسلمين فقالت: يوسع الله وتحرج أنت؟! إن الله يقول: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} ! قال عمر: أخطا عمر وأصابت امرأة!
وصحيح أن الله قد ترك أمورا للاجتهاد البشري، يضع البشر فيها تشريعات تلائم ما يجد من الأحوال، ولكن هذه أولا محكومة بالأصول العامة للشريعة وليست متروكة للهوى البشري كما يحدث في الديمقراطيات.. وهي ثانيا اجتهادات يقوم بها أولو العلم من فقهاء الأمة الذين يقر الناس لهم بالقدرة على الاجتهاد، وليست لأي إنسان يفتي فيها بعلم أو بغير علم كما يحث في البرلمانات عند التصويت على أي قرار، إذ تؤخذ القرارات بأغلبية الأصوات، وتتكافأ أصوات الذين يعلمون والذين لا يعلمون!
وتبقى الأمور الجارية التي تدخل في باب "السياسة" وهذه يلزم الحاكم أن يستشير فيها ثم يتحمل مسئوليته بعدالاستشارة؛ بشرط ألا يخالف نصا من الكتاب والسنة أو ما أجمع عليه العلماء، ولا يصادم أصلا من أصول الشريعة العامة.