ليست الحرية كامنة في مجلس نيابي أو عملية تصويت شعبية، إذا كان نتيجة ذلك كله أن تتحكم فئة معينة من الناس في رقاب بقية الناس، إنما الحرية الحقيقية مرتبطة بتحديد من له حق التشريع.. فإذا كان البشر هم الذين يشرعون فلا حرية في الحقيقة إنما عبودية مقنعة من جانب وربوبية زائفة من جانب.. وإذا كانت الحاكمية لله فهنا يتجرد الحكام من الربوبية ويصبحون عبيدا لله كبقية العباد.
إن الذي جاء به الإسلام أعظم بكثير في تقرير حرية الإنسان من كل ما أتت به الديمقراطية بعد الصراع الممتد الذي قامت به الشعوب لاستخلاص حقوقها من الطغاة، فما زال الحكام في الديمقراطية -من وراء ستار- يشرعون، فيشرعون لمصالحهم على حساب الآخرين، من خلال المسرحية الطريفة المتمثلة في حق الانتخاب وحق الترشيح ووجود نواب وبرلمانات.
إن الذي صنعه الإسلام هو سلب الحكام أصلا حق التشريع، وبذلك وحده تكف أيديهم عن إيقاع الظلم بالمحكومين، وبذلك وحده يتحرر الناس فيشعرون بالعزة الحقيقية إزاء الحكام.
لقد قال الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} 1.
فقال أبو بكر الخليفة الأول رضي الله عنه: "أطيعوني ما أطعت الله فيكم, فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم" وقال مثل ذلك عمر رضي الله عنه.
ووقف عمر رضي الله عنه يخطب الناس فقال: أيها الناس اسمعوا وأطيعوا، فقال له سلمان الفارسي: لا سمع لك اليوم علينا ولا طاعة! فلم يغضب عمر العربي القرشي أمير المؤمنين لهذه المقالة من سلمان الفارسي. ولم يأمر بالقبض عليه واعتقاله، إنما قال له: ولمه؟ قال سلمان: حتى تبين لنا من أين لك هذا البرد الذي ائتزرت به وأنت رجل طوال لا يكفيك البرد الذي نالك كبقية المسلمين! فلا يغضب عمر العربي القرشي أمير المؤمنين مرة أخرى من هذه المقالة من سلمان، إنما ينادي ابنه عبد الله فيقول له: ناشدتك الله هذا البرد الذي ائتزرت به أهو بردك؟ فيقول: نعم! ثم يقول موجها خطابه للناس: إن