تلك ضمانات الاتهام وضمانات التحقيق في الإسلام1.
أما ضمانات المحاكمة فقد قررها الإسلام قبل أربعة عشر قرنا.
الضمانة الأولى والكبرى هي: الحكم بشريعة الله التي يتمثل فيها العدل الرباني الشامل {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} 2.
ولا يقضي القاضي بالحد إلا إذا استوثق تماما أن المتهم غير معذور في الجرم الذي ارتكبه، وإلا فالحكم هو درء الحد بالشبهة لقوله -صلى الله عليه وسلم: "ادرءوا الحدود بالشبهات" 3.
"سرق غلمان لابن حاطب ابن أبي بلتعة ناقة لرجل مزني فأتى بهم عمر فأقروا فأمر كثير ابن الصلت بقطع أيديهم، فلما ولى رده، وقال لابن حاطب: والله لولا أني أعلم أنكم تستعملونهم فتجيعونهم حتى إن أحدهم لو أكل ما حرم الله عليه، لحل له، لقطعت أيديهم، فإذ لم أفعل فلأغرمنك غرامة توجعك.. ثم التفت إلى المزني فقال: يا مزني! بكم أريدت منك ناقتك؟ قال بأربعمائة، قال عمر لابن حاطب: اذهب فأعطه ثمانمائة! "4.
فحكم عمر رضي الله عنه أولا بدرء الحد لقيام شبهة الجوع دافعا للسرقة. وحكم ثانيا بعقاب "الفاعل الأصلي" وهو صاحب الغلمان الذي استخدمهم ولم يشبعهم فدفعهم الجوع إلى السرقة، فغرمه ضعف ثمن الناقة.
كما أوقف عمر حد السرقة عام الجوع تطبيقا للمبدأ ذاته: "ادرءوا الحدود بالشبهات".
ومن الضمانات أن القاضي لا يقضي بعلمه, وإنما بالقرائن والأدلة وشهادة الشهود العدول. ولا يقضي القاضي وهو غضبان، ولا يقضي وهو معرض لأي عارض يؤثر في قدرته على الحكم الصحيح.
وكذلك ضمانات التنفيذ قررها الإسلام، وزاد فيها ضمانة لم يتضمنها أي قانون أرضي حتى هذه اللحظة وهي رد الاعتبار الكامل للمجرم بعد تطبيق الحد عليه.
فأما في التنفيذ فلا يجوز تعدي العقوبات المقررة شرعا، قال صلى الله عليه