في الأرض بشرية كانت هذه القوة أو مادية أو اقتصادية؛ لأنهم يستمدون وجودهم وقوتهم من الله، والله أكبر.. أكبر من كل قوة في الوجود.

عندئذ يحدث ما حدث في صدر الإسلام والعبودية خالصة لله وحده في كل مجال من مجالات الوجود.

يقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيقول: أيها الناس اسمعوا وأطيعوا. فيقف له سلمان الفارسي يقول: لا سمع لك علينا اليوم ولا طاعة حتى تبين لنا من أين لك هذا البرد الذي ائتزرت به!

ويتحاكم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه إلى القاضي شريح مع اليهودي الذي سرق درعه فيسأله القاضي: يا أمير المؤمنين! هل من بينة؟! فيقول علي كرم الله وجهه: صدق شريح! ما لي بينة! فيحكم القاضي بالدرع لليهودي تنفيذا لشريعة الله!

ويستمتع بهذا العدل -الذي يولد الشعور بالحرية- حتى الذين لم يؤمنوا بهذا الدين, ولكنهم استظلوا بظله واستظلوا بعدالته، فيرحل القبطي من مصر إلى المدينة ليشكوا إلى عمر رضي الله عنه ضربة عصا لحقت بظهر ولده من ابن عمرو بن العاص حين غلبه الشاب القبطي في السباق ... وهو الذي كان إلى عهد جد قريب تلهب ظهره سياط الرومان فلا يحس بآدميته المسلوبة ولا يتحرك للشكوى ... ولمن يشكو حتى إذا أراد؟! ولكن العدل الرباني المتمثل في شريعة الله هو الذي جعل ضربة العصا توجع الكرامة وتحرك الرجل ألوف الأميال طلبا للنصفة ورفعا للظلم ... ويجاب الرجل إلى حقه تحقيقا لشريعة الله.

كلا! لا تتحقق الحرية الحقيقية ولا المساواة الحقيقية ولا الإخاء الحقيقي إلا حين يكون الله وحده هو المشرع، ولا يكون للبشر حق التشريع من عند أنفسهم1. وكل ما ترفعه الديمقراطية من شعارات "الحرية والإخاء والمساواة" إن هو إلا شعارات! شعارات غير قابلة للتحقيق في عالم الواقع ما دام بعض البشر يشرعون وبعضهم الآخر -وهم أكثرية الناس- يخضعون للتشريع، وما دامت الأقلية التي تشرع إنما تشرع لمصالحها الخاصة على حساب الآخرين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015