كذلك أن يخدعنا وجود بعض الأصوات "الحرة" في المجالس النيابية أو في الصحافة ووسائل الإعلام فهذا ذاته جزء من "فن" المسرحية كما أشرنا من قبل؛ لأن الرأسمالية التي بيدها السلطان -يهودية أو غير يهودية- تعلم أن هذه الأصوات المتناثرة لن تغير شيئا من الواقع ولن تحدث تعديلا حقيقيا في أدوار المسرحية المرسومة، وهي في الوقت ذاته دعاية ضخمة للديمقراطية التي من خلالها تتحقق كل مصالح الرأسمالية! فكلما ارتفعت هذه الأصوات "الحرة" اطمأنت الجماهير إلى اللعبة الدائرة واستنامت لها، وتركت أصحاب السلطان ينفذون من خلال اللعبة إلى كل ما يريدون!
أما الحقوق والضمانات التي نالها الشعب فقد كانت -كما قلنا أكثر من مرة- ثمرة نضال الجماهير ولم تكن ثمرة الديمقراطية! وإذا كانت الرأسمالية قد تنازلت -مكرهة- عن بعض الفتات خوفا من ضياع الأصل كله، فلم يكن ذلك بفضل النظام البرلماني ذاته بقدر ما كان ذلك راجعا إلى نظام الرأسمالية "الحرة" واعتمادها على العامل الذي يتمتع بقسط محدود من الحرية لكي تتمكن هي من تحقيق الأرباح الفاحشة التي تحققها.. ولا تستطيع الرأسمالية الحرة أن تزيد سلطانها أكثر مما هو واقع في أيديها ... وإلا لفعلت! لأن الدكتاتورية التي تلزم العمال بالعمل تحت ضغط الحديد والنار لا يمكن أن تتم بصورة جماعية "أي: باجتماع الرأسماليين كلهم بعضهم مع بعض" لأنها تحتاج بطبيعتها إلى تركيز السلطة في يد فئة محدودة جدا من الناس. وعندئذ لا يستطيع الرأسماليون ذاتهم أن يوجدوا ولا أن يكون لهم سلطان وهم ألوف ومئات الألوف.. ومن هنا تجد الرأسمالية نفسها مكرهة -للمحافظة على وجودها ذاته- أن تسمح بهذا الفتات المتناثر للشعب، ويتم ذلك عن طريق هذه اللعبة الطريفة، لعبة الديمقراطية، تحقق بها الرأسمالية أكبر قدر متاح من الربح، وتترك للشعب كثيرا من المظالم وشيئا من الفتات!
الظلم هو طابع الجاهلية التي يشرع فيها البشر للبشر بدلا من أن يتحاكم البشر كلهم إلى شريعة الله!
إن المجتمع الجاهلي لا بد أن ينقسم بطبيعته إلى فئتين اثنتين: سادة وعبيد سادة في يدهم السلطان وفي يدهم التشريع وعبيد يقع عليهم السلطان ويقع عليهم التشريع.
وأيا تكن طرافة اللعبة الديمقراطية فهي لا تستطيع أن تخفي هذه الحقيقة