وإذا كان الهدف الأخير للشعب الشرير هو استحمار الأمميين وتسخيرهم لمصالحهم وللعبودية لهم، فقد وجب أن يبعدوهم بعدا كاملا عن ذكر الآخرة ليكونوا كالأنعام، ويجعلوا الدنيا هي مبلغ علمهم وغاية همهم1 ليسهل تسخيرهم من جانب العبودية للشهوات، وهي مصير كل إنسان يعيش بعيدا عن الآخرة وقيمها المؤدية إليها.
{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ، قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ، الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} 2.
وإذا كانت الجاهلية المعاصرة قد أغفلت ذكر اليوم الآخر لغاية في نفسها وأبرزة الحياة الدنيا وحدها وجعلتها غاية كل شيء ومقياس كل شيء، فنحن لا نجاري تلك الجاهلية فيما اتجهت إليه، ولا نقرها على تعبيد الناس للحياة الدنيا، ولكنا نقول إن قضية "من المعبود"؟ ليست متعلقة بالآخرة وحدها ولكنها من صميم قضايا الحياة الدنيا، وإن الجواب على هذه القضية لا يتوقف عليه مصير الإنسان في الآخرة وحدها، بل يتوقف عليه مصيره هنا في الحياة الدنيا, وبدرجة أكبر بكثير وأخطر بكثير مما يظن المستعبدون للمخطط الشرير من الأمميين المسخرين كالحمير!
إنه بصرف النظر -مؤقتا- عن القيم المتعلقة بالدين، المستمدة من كون المعبود الواجب العبادة هو الله سبحانه وتعالى وحده بلا شريك "ولنا عود إليها بعد قليل" فإن الجواب على هذا السؤال الخطير: "من المعبود؟ " يترتب عليه في الوقت ذاته إجابة على سؤال مهم في حياة البشر على الأرض وهو: "من المشرع؟..".
يقول التفسير المادي للتاريخ، وهو هنا على حق فيما يقول: إن الذي يملك هو الذي يحكم، وإن الطبقة التي تحكم تضع التشريعات التي تحفظ مصالحها، ويكون ذلك على حساب الطبقات الأخرى.