الإنسان الذي كرمه ربه بالإنسانية وجعل له طريقين اثنين لا طريقا واحدا، وأعطاه القدرة على التمييز بين الطريقين واختيار واحد منهما: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} 1، فإنه حين يرفض القيم الخلقية، ويقول عن إقامة الرأسمالية على أساس الربح بصرف النظر عن كون هذا الربح حلالا أو حراما، جائزا أو غير جائز، يقول إن هذه مسألة اقتصادية لا علاقة لها بالأخلاق ويقول عن تحويل المجتمع كله إلى ماخور كبير إن الجنس مسألة "بيولوجية" لا علاقة لها بالأخلاق, حين يفعل ذلك فإنه يفقد آدميته بالطبع ويصبح من الدواب, بالضبط كما يريد له شعب الله المختار.

ولقد كانت الديمقراطية وشعارات الحرية هي اللعبة الكبرى التي نفذت اليهودية العالمية عن طريقها مخططها كله2 واستحمرت بها الأمميين في الغرب لحساب الشعب الشيطان.

ولا ينفي ذلك كله ما كسبته الشعوب في ظل الديمقراطية من حقوق وضمانات تحدثنا عنها من قبل وقلنا إنها -في هذا الجانب- تكريم للإنسان وتحقيق لصفة الإنسانية فيه.

فقد قلنا إن الشعوب قد نالت ذلك بنضالها لا بالديمقراطية في ذاتها، بل كانت الديقراطية ذاتها في جانبها السياسي ثمرة ذلك النضال، لكن الذي نقوله هنا إن الشياطين -مع سماحهم راضين أو مكرهين بهذه الحقوق وتلك الضمانات- قد أفسدوا إنسانية الإنسان من جانب آخر أو من جوانب أخرى بحيث أصبحت الخسارة في النهاية أفظع بكثير من كل كسب كسبته الشعوب.

ولسنا نقول إن الإنسان كان أحسن حالا في ظل الإقطاع قبل أن يحصل على هذه الحقوق والضمانات في ظل الديمقراطية.. فالجاهلية كلها انحراف وكلها خبال سواء في ذلك الطور أو ذاك.. ولكنا نقول إن الخير الجزئي الذي أتت به الجاهلية الجديدة قد أفسدت مقابله كثيرا من الخير الكامن في الإنسان, بحيث يضيع ذلك الخير الجزئي في محيط الفساد الواسع الذي ليس له قرار.

ولسنا نقول كذلك إن هذه الحقوق والضمانات ينبغي أو يجوز أن تلغى في مقابل استرداد الإنسان ما فقد من إنسانيته بفساد العقيدة وفساد الأخلاق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015