ورغم أن هذا كان تصرفًا حكيمًا من وجهة النظر الأمريكية البحتة، فضلًا عما فيه من إراحة أعصاب العالم من الخوف الدائم من نشوب الحرب، فإن الرأسمالية الأمريكية ذاتها "أو قل اليهودية" لم توافق عليه؛ لأنه ضد مصالحها الذاتية. لذلك أنشأت إضرابًا طويلًا في مصانع الصلب على سبيل الإنذار "مع أن هذا الإضراب يضر المصالح المؤقتة للرأسمالية, ولكنه يؤدي إلى كسب أكبر بالضغط على كنيدي ليترك سياسة التهدئة التي كان يقوم بها بالاتفاق مع خروشوف" فلما لم يأبه كنيدي بالإنذار ومضى في سياسته هددوه مرة ثانية بإضراب آخر في مصانع الصلب استمر مدة أطول من الأولى! ولما لم يرضخ بعد هذا الإنذار الشديد وأصر على السياسة التي رآها أكثر تحقيقًا لصالح الشعب الأمريكي -فضلًا عن إراحة العالم من الخوف- قرروا أنه لا بد من التخلص منه بإجراء أشد، فقتلوه! قتلوه وهو ليس فردًا عاديًا من أفراد الشعب، بل هو رئيس الجمهورية المنتخب برضا الشعب، والمسئول عن مصالح الشعب الأمريكي كله! قتلوه ثم لعبوا بالتحقيق، فلم يجد رئيس الجمهورية المقتول ضمانات التحقيق التي تحفظ حقه -وإن كان قتيلًا- في أن يؤخذ له القصاص من قاتله! ولم تجد الديمقراطية كلها نفعًا في إقامة العدل في قضية من القضايا الخطيرة في التاريخ الحديث.. ومضت القصة كلها كأنها حادث عادي لا يثير الانتباه ولا يستحق الاهتمام! وطوي التحقيق.. ولما تصل العدالة إلى غايتها حتى اليوم, وقد مضى قرابة عشرين عامًا على الحادث العجيب!
وتلك هي الديمقراطية حين تمس المصالح المباشرة للرأسمالية.
وما كانت مصالح مشروعة حتى نقول إن الذي وقف في سبيلها كان يستحق الانتقام منه بأية صورة من الصور، إنما كانت مصالح جشعة مجرمة، تريد أن تضع العالم كله على حافة الحرب لكي تربح هي من وراء ذلك الربح الحرام.. وفي سبيل ذلك تلغي كل ضمانات الديمقراطية وكل "الحرية" الزائفة التي يتغنى بها الديمقراطيون!
أما حين يكون الأمر مختصا بالفساد فهنا الحرية بلا ضابط ولا حساب! حرية الإنسان في أن يلحد حرية مكفولة بالقانون!
فرغم أن الدولار الأمريكي مكتوب عليه "ثقتنا في الله In God We Trust! " إلا أن القانون ينص على حرية العقيدة. والحرية معناها أن من شاء أن يلحد