ولكنه صالح حين يكون أصحاب الأصوات من العدول لا حين يكونون من أصحاب الأهواء، فأما حين يكونون من أصحاب الأهواء، الملتزمين بالمعارضة أو الملتزمين بالتأييد بحكم موقف الحزب الذي يتبعونه، فعندئذ تضيع أصوات القلة من الأحرار في وسط أصوات الكثرة من المزيفين! وتنفذ مصالح الرأسمالية كلها من خلال اللعبة الهائلة، لعبة الحرية والديمقراطية والتمثيل النيابي والبرلمان! إلا الفتات الذي يتساقط في الطريق، أو يسقط عمدًا للتلهية، أو يسقط تحت الضغط الشديد!
أما "الحرية" الحقيقية التي تتيحها الديمقراطية وكأنما أنشئت من أجلها فهي "الحرية الشخصية": حرية الإلحاد وحرية الفساد الخلقي! هنا يلتقي الجميع: المعارضون والمؤيدون والشعب والرأسماليون، والحكام والمحكومون!
إن الديمقراطية الليبرالية تقيد الحرية حيث ينبغي أن توسع، وتوسعها حيث ينبغي أن تضيق!
فحين تمس مصالح الرأسمالية فلا حرية على الإطلاق! ويذكر الناس جميعًا قصة مقتل كنيدي رئيس جمهورية الولايات المتحدة، حين قتل في عام 1963م لأنه وقف في طريق مصلحة من مصالح الرأسمالية، ثم لعب بقضيته لعبًا بحيث لا تنكشف الحقيقة ولا يوقع على المجرمين الجزاء!
فقد كانت سياسة الرأسمالية يومئذ -أو قل سياسة اليهود المشرفين على توجيه الجاهلية المعاصرة- هي وضع العالم على "حافة الحرب" من أجل تنشيط صناعة السلاح وبيعه، وهي -كما قلنا- من أربح الصناعات بالنسبة إليهم. ولكن كنيدي كانت له نظرة أخرى مختلفة، ينطلق فيها من مصلحة الولايات المتحدة التي هو رئيسها المنتخب لتحقيق مصالحها.. فقد كان رأي كنيدي أن المصلحة القومية للولايات المتحدة تقتضي تهدئة الأحوال العالمية، لكي يوجه الإنفاق إلى رفاهية الشعب الأمريكي بدلًا من توجيهه إلى صناعة الحرب التي لا عائد منها على الشعب.. لذلك سعى إلى مصالحة الاتحاد السوفيتي والاتفاق معه على تهدئة الأحوال العالمية، وخطا بالفعل خطوة نحو إشاعة السلام، فمد يده إلى خروشوف الزعيم الروسي القائم بالحكم يومئذ لفتح باب المحادثات التي تؤدي إلى توطيد السلام، وخطا خروشوف من جانبه خطوة فقبل أن يدخل في محادثات السلام.