توجيهها أشد، وهو التلهية الدائمة لرجل الشارع هذا عن أن يلتفت إلى الأمور العامة بنظر مستقل وفكر متفحص، عن طريق شغله بأمور معاشه من جهة وأمور لهوه و"استمتاعه" من جهة أخرى. نقول إن هذا موجود في الجاهليات جميعًا، حتى يتفرغ أصحاب السلطان لسلطانهم دون تدخل من يقظة الجماهير، التي قد تتيقظ فتطالب بحقوقها المسلوبة، التي يعيش -من سلبها- أصحاب السلطان! ولكنه في هذه الجاهلية أشد؛ لأن اليهودية -أو إن شئت قل الرأسمالية- تشغل الناس شغلًا دائمًا بأمور المعاش لكي تربح هي ربحها الفاحش، فاليوم الثلاجة وغدًا السيارة وبعد غد تغيير السيارة؛ لأن الجديدة أكثر أناقة أو فيها زر إضافي ليس في السابقة! كما تشغلهم باللهو الدائم فاليوم السينما وغدا المسرح وبعد غد حلبة الرقص وبعده النزهة الخلوية ... والليلة موعد مع الصديقة وبعدها صديقة أخرى أو حفل جنسي صاخب.. وهكذا، لتربح الرأسمالية -أو قل اليهودية- أرباحًا مركبة: ربح المال، وربح إفساد الأمميين، وربح تلهيتهم عما يدور حولهم من أمور، ليخطط المخططون وهم في مأمن كامل من يقظة الجماهير!

إذا كان الحال كذلك على الحقيقة فأين هو "الرأي العام" الحقيقي الذي يوجه السياسة في الديمقراطية الليبرالية الرأسمالية؟! إنه في الحقيقة أصحاب رءوس الأموال.. هم الذين يرسمون السياسة، وهم الذين يشكلون "الرأي العام" عن طريق الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى، فيصوغونه على النحو الذي يريدون.. النحو الذي يحقق مصالحهم في النهاية، ولا بأس أن يترك شيئًا من الفتات "للشعب" حتى لا يتحول إلى كلاب جائعة تهدد المكتنزين!

حقيقة إن هناك نوابًا وتمثيلًا نيابيا وهناك برلمان يقول فيه من أراد كل ما يريد أن يقول.

ولكن من هم النواب في حقيقة الواقع؟

هل يتاح لأي إنسان أن يصل إلى البرلمان ويوجه الأمور من هناك، كما هي الصورة النظرية للديمقراطية؟

إن المعركة الانتخابية في حاجة إلى تكاليف لا يقدر عليها إلا الأغنياء من الناس، ومتى كان هو من طبقة الأغنياء فما الذي يجعله يفكر في "طبقة" المساكين؟ إنهم ليسوا في نظره مساكين! إنهم من جهة أولئك "الأعداء" الحاسدون لما في يده من النعمة، الطامعون، الذين يريدون أن ينهبوه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015