ففي الحرب العالمية الثانية التي امتدت فشملت معظم أرجاء الأرض، وقتل فيها أربعون مليونًا من الشباب في ميادين القتال غير الذين قتلوا من الرجال والنساء والأطفال بعيدًا عن ميادين الحرب بالقنابل المدمرة، وغير الذين قتلوا بتأثير القنبلتين الذريتين اللتين ألقيتا في نجازاكي وهيروشيما.. بدأت صحافة الحلفاء "أي: الديمقراطيات في غرب أوروبا وفي أمريكا" تتكلم عن هتلر واستعداداته الحربية والأزمات التي يثيرها "وخاصة أزمة ممر دانزج التي اعتبرت الشرارة الأولى للحرب". وبدأت تكتب عن النازية وعن النظم الدكتاتورية وعداوتها للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.. وأن على الديمقراطيات التي تشكل "العالم الحر" أن تؤدب هذا الطاغية الذي ينذر بشر مستطير لجميع البشرية!
وما نريد أن نتحدث هنا عن "الحق" في أي جانب كان.. فقد كان كل ما تقوله صحافة "العالم الحر" عن هتلر والنازية والدكتاتورية حقا، وكان هتلر بالفعل طاغية جبارًا يريد إذلال العالم وإخضاعه لسلطانه، ويصدر عن جنون عنصري مرتكز على أفضلية الجنس الآري وجدارته بأن يحكم العالم كله! ولكن ما فضل "الحلفاء" عليه؟ أليسوا هم مثله طواغيت -كانوا- يحكمون العالم كله يومئذ ويذلونه باسم حضارة "الرجل الأبيض" وجدارته أن يحكم كل شعوب الأرض؟ وماذا يملك الرجل الأبيض من المقومات الحقيقية التي تؤهله لذلك السلطان وتجعله وقفًا عليه وحده لا يشاركه أحد فيه؟
فقد كان إذن ما تقوله صحافة الحلفاء "وإذاعتهم" حقا بالنسبة للنازية وهتلر، أما ما كانوا يدعونه لأنفسهم من أنهم هم حماة الحرية وحماة حقوق الإنسان، فقد تبين كذبه كله عقب الحرب مباشرة حين خرج الحلفاء منتصرين من الحرب فضربوا بكل وعودهم للشعوب عرض الحائط، بل قالوا لهم في تبجح: لقد حميناكم من النازية فادفعوا ثمن الحماية.. وثمنها أن يكونوا خاضعين لهم يدورون في فلكهم ويخدمون مصالحهم.
على أي حال فنحن نتتبع معالجة الصحافة والإذاعة للأمر..
لقد كان المطلوب تهيئة "الرأي العام" للحرب، ولأمر آخر لا يقل خطرًا.. هو إنشاء دولة إسرائيل..
فلتكتب الصحافة إذن -وجميع وسائل الإعلام المتاحة- عن طغيان هتلر، وعن وحشيته في إبادة اليهود وتعذيبهم.. حتى يشحن "الرأي العام"