ولننظر في هذه الحرية على حقيقتها..
لا شك أن الفرد في الديمقراطية الليبرالية حر حرية كاملة كما يبدو "في الظاهر" في أن يتخذ قراره دون ضغط من أحد، وأن يعبر عن رأيه بحرية، وأن يدعو لرأيه بكل وسائل الدعاية، وأن يختار المرشح الذي يمثله في البرلمان والذي يشرف على أعمال الحكومة ويهيمن على تصرفاتها..
ولكن دعنا نتأمل الحقيقة الكامنة وراء هذا الظاهر.. فمن الذي يصوغ لهذا الفرد أفكاره، أو -من زاوية أخرى- من الذي يشكل "الرأي العام" الذي يوجه هذا الفرد لاتخاذ قراراه!
إنها وسائل الإعلام! الصحافة والإذاعة والسينما والتليفزيون والخطبة والمحاضرة والكتاب.
ودعك -مؤقتًا- من أن وسائل الإعلام تشرف عليها اليهودية العالمية وتوجهها الوجهة التي تخدم مصالحها، فلنا عود إلى هذه النقطة في مكان آخر من هذا الفصل.
إنما نقول -مؤقتًا- إن الذي يملك وسائل الإعلام هو الرأسمالية "بصرف النظر عن ملتها! ".
إن الصحافة -وقد كانت وما تزال من أشد وسائل التأثير- لا تستطيع أن تعيش بلا معونة خارجية. فهي تتكلف بالفعل أضعاف الثمن الذي تباع به للجمهور. والثمن الذي تباع به للجمهور لا يصل كله إلى أصحاب الصحيفة فهناك في الوسط وسيطان اثنان على أقل تقدير هما الموزع العام الذي يتكفل بأخذ مجموع النسخ المطبوعة وبيعه للبائع الصغير "أي: الذي يبيع مجموعة صغيرة من النسخ"، ثم هذا الموزع الصغير الذي يبيع للجمهور.. فإذا تصورنا جدلًا أن ثمن النسخة للجمهور هو مائة وحدة فإن خمسين وحدة على الأقل إن لم يكن أكثر يتقاسمها هذان الوسيطان، والباقي هو الذي يرد إلى الصحيفة مع "المرجوع" أي: النسخ التي لم يتم توزيعها ولا عائد لها على الإطلاق.. فكيف تغطي الصحافة تكاليفها ثم تربح فوق ذلك أرباحًا طائلة؟ إنها تعتمد -أساسًا- على الإعلانات ثم على الإعانات من أي طريق تجيء. والإعلانات -بطبيعة الحال- في يد الشركات والمؤسسات الصناعية, أي: في يد الرأسمالية. ومن ثم فإنه يكفي لقتل أي صحيفة "حرة" أي: طويلة اللسان تتجرأ على المصالح الحقيقية للرأسمالية، أن تمنع عنها الإعلانات فتسقط في