الصورة السياسية المتمثلة في الديمقراطية الليبرالية، ولكننا نقرر هنا حقيقتين. تبدوان متناقضتين في الظاهر ولكنهما في الحقيقة غير متناقضتين إذا أنعمنا النظر فيهما:

الأولى: أنه من خلال النظام الديمقراطي نال "الشعب" ما ناله من حقوق وضمانات.

والثانية: أن الرأسمالية هي صاحبة الهيمنة وصاحبة التشريع من وراء اللعبة الديمقراطية بأكملها.

ولإزالة التناقض الظاهري بين الحقيقتين نقول أولًا: إن الشعب نال ما ناله من الحقوق من خلال صراعه وكفاحه ودأبه في إحراج الرأسمالية واقتناص الحقوق والضمانات منها، فهو ينتزعها منها انتزاعًا وهي تتنازل عنها كارهة ومكرهة. وإن يقظة الشعب بدأت منذ ثار على الإقطاع وليس منذ اتخذ الديمقراطية! بل الديمقراطية هي ثمرة ثورته فهي نتيجة لا سبب.

ونقول ثانيا: إنه على الرغم من ذلك فقد تركت الرأسمالية الثوب -ثوب الديمقراطية- يلبسه الشعب، ونفذت هي إلى مصالحها من خلاله، فنالت كل ما تريد من تشريعات تحمي مصالحها وتتيح لها أن تقوم بكل مظالمها! فإذا كانت قد اضطرت للتنازل عن بعض المصالح تحت ضغط الشعب، فهي من جهة قد تنازلت عن فتات لا يؤثر تأثيرًا حقيقيا في مصالحها، فما تنازلت عنه هو قطرات من فائض أرباحها، وما تزال أرباحها تتزايد بصورة جنونية! وهي من جهة أخرى قد تنازلت عن هذا الفتات؛ لأنها لم تأمن على نفسها إذا ظلت في موقف التصلب أن تفقد ثروتها كلها وكيانها كله! ففي نظرها هي أنها ألقت للكلاب الجائعة بلقيمات تلهيها بها خوفًا من أن تأكلها الكلاب! فخوفًا من الشيوعية تنازلت الرأسمالية الغربية عما تنازلت عنه، وخوفًا من أن تدمر الاضطرابات كل الأرباح!

فلا تناقض إذن بين الحقيقتين، والرأسمالية هي صاحبة النظام كله وهي المستفيد الأول منه، ولا عليها أن يتزيا الشعب بزي الحرية.. أو الحرية والإخاء والمساواة1!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015