يشكل الأفكار والعقائد والنظم والمؤسسات التي تتمشى معه وتخدم أهدافه. وإنما نقول -ونراه أدنى إلى الصواب- إن الوضع الاقتصادي والوضع السياسي "والوضع الاجتماعي كذلك كما سيجيء" كلها أوجه متناسقة مع النظام أو الفكرة التي تقوم عليها، وكلها منبثقة من أصل واحد مشترك هو "الإنسان" مستقيمًا أو منحرفًا، وعلى أي نحو هو منحرف. فأما إن كان مستقيمًا "أي: على النهج الرباني" فهو يصوغ حياته: الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والفكرية والروحية.. إلخ على مقتضى المنهج الرباني، وهو منهج متناسق في جميع وجوهه ومتكامل بعضه مع بعض. وأما إن كان منحرفًا فبحسب نوع انحرافه تكون أوضاعه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والفكرية والروحية.. إلخ، وتكون متناسقة مع لون الانحراف الذي يقع فيه ذلك "الإنسان". فليس الاقتصاد هو الذي يصوغ السياسة ولا السياسة هي التي تصوغ الاقتصاد، إنما هما معًا -ومعهما بقية وجوه الحياة- يصوغها الإنسان متأثرًا بنوع انحرافه.

والانحراف الذي يتخذ الرأسمالية وجهه الاقتصادي، والديمقراطية الليبرالية وجهه السياسي، والتفكك الاجتماعي "كما سيجيء" وجهه الاجتماعي، هو أولًا انحراف عن شريعة الله ومنهجه المنزل لإصلاح الحياة وإقامتها بالقسط، وهو من جهة أخرى انحراف الفردية الجامحة التي تريد أن تفعل ما تشاء Laissez Faire, Laissez Passer دعه يفعل ما يشاء، دعه يمر من حيث يشاء! هذه الفردية الجامحة تأخذ في الاقتصاد صورة الرأسمالية، وتأخذ في الاجتماع صورة المجتمع المفكك الروابط المنحل الأخلاق. وهي انحرافات متناسقة بعضها مع بعض، متكاملة بعضها مع بعض، ولا يمكن فصل بعضها عن بعض!

فالذين يقولون نأخذ الديمقراطية صورة سياسية وليس من الضروري أن نأخذ معها الرأسمالية الجامحة هم واهمون في محاولة فصل وجه من هذا النظام عن وجه آخر.. أو هم يتحدثون عن شيء آخر غير الديمقراطية الليبرالية لا نعلم صورته على وجه التحديد!

ومهما يكن من أمر فإن الديمقراطية الليبرالية -الموجودة بالفعل، لا المتخيلة في الأذهان- هي هذه التي تحتمي بها الرأسمالية وتلعب لعبتها من خلالها. وسنتكلم في الصفحات القادمة عن أبعاد اللعبة كلها التي تتم من وراء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015