أن الطبقة الكادحة لم تستسلم تمامًا كما كانت قبل ثورتها على الإقطاع، بل قاومت وقاومت وقاومت.. وحصيلة مقاومتها هي التي أحدثت الفرق بين الصدق الكامل والصدق إلى حد كبير!
ولكن تعال ننظر -رغم ذلك- إلى حقيقة الواقع، ونسأل -بموضوعية كاملة- لصالح من تجري الحياة في ظل الديمقراطية الليبرالية، ومن هو المستفيد الأكبر، ولا نقول كما تقول الشيوعية إنه المستفيد الوحيد.
لا شك أن الأمور تجري -في عمومها- لمصلحة الرأسماليين!
ورغم كل التنازلات التي أكرهت الرأسمالية على تقديمها للشعب فما زال الغنم الأكبر في أيديهم، والفتات في يد الجماهير.
لا نقول -كما تقول الشيوعية- إن المنتج الحقيقي هو العامل, وإنه هو الذي يستحق وحده حصيلة الإنتاج، فتلك مغالطة سنناقشها حين نناقش الشيوعية في الفصل القادم. ولا نقول كذلك -كما تقول الشيوعية- إن أصحاب رءوس الأموال هم قوم لا عمل لهم إلا التطفل على دماء الكادحين، بينما هم لا يستحقون منها شيئًا على الإطلاق؛ لأنهم لا يعملون بأيديهم..
لا نقول هذا ولا ذاك.. ومع ذلك فلننظر إلى الفارق الضخم الذي يفرق بين دخول الرأسماليين ودخول العمال.. هل هو فارق طبيعي؟ هل هو فارق عادل؟ هل هو فارق لا يؤثر في القيم والمبادئ المتعلقة بإنسانية الإنسان؟!
كيف جاء هذا الفارق بادئ ذي بدء؟ هل هو حقيقة نتيجة العبقرية الفذة التي خص الله بها الرأسماليين وحرم منها بقية عباد الله؟! أم هي مغتصبة اغتصابًا بوسائل غير مشروعة؟!
هل كانت الرأسمالية عادلة منذ البدء في تحديد أجور العمال؟ أم كان تحديدها قائمًا على أسوأ نوع من أنواع الاستغلال؟ وحتى حين خفضت ساعات العمل ورفعت الأجور بعد الصراع المرير الذي قام به العمال، فهل حدثت العدالة الإنسانية الواجبة؟
إن تضخم رءوس الأموال ينشأ ابتداء من امتصاص دماء العمال وعدم توفيتهم أجورهم.. وقد يكون تحديد الأجر مسألة اجتهادية تختلف من وقت إلى وقت ومن حال إلى حال. ولكن له حدودًا عامة لا ينبغي أن يخرج عنها، وهي توفير "الحياة الكريمة" للإنسان الذي يبذل جهده ليعيش.