وأي مقارنة بين الحالين ستثبت على الفور هذه النقلة، وستثبت أن الإنسان الأوروبي، الخارج من ظلمات الإقطاع، قد استمتع في ظل الديمقراطية بجوانب مضيئة ما كانت لتخطر على باله من قبل، وما كان يتصور وجودها إلا في أحلام الفلاسفة الحالمين!

ولكن هذه الصفحة المضيئة ليست هي الصفحة الوحيدة للديمقراطية "الليبرالية" كما تُسمى ديمقراطية الغرب، أي: التي تقوم على حرية الفرد في أن يعمل ما يشاء، تحقيقًا للشعار الشهير الذي أطلقته الرأسمالية في نشأتها "دعه يعمل ما يشاء Laissez Faire، دعه يمر من حيث يشاء Laissez Passer والتي صورتها العامة هي الحرية السياسية وتعدد الأحزاب1.

إنما الصفحة القاتمة شديدة القتام بمقدار ما تتلألأ هذه الصفحة بالنور. والتطبيق الواقعي للديمقراطية الليبرالية هو الذي يكشف سوآتها ويحدد وزنها الحقيقي في ميزان الحق.

حين نزلت الآية الكريمة: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ} قال -صلى الله عليه وسلم: "ما صدقتا إلا في هذه! " أي: صدقت كل واحدة فيما تقول عن الأخرى، وإن كذبت فيما تدعيه لنفسها من فضائل وحسنات.

ويصدق هذا الأمر فيما بين الديمقراطية والشيوعية، فإن كلا منهما تصدق فيما تقوله عن الأخرى وإن كذبت فيما تدعيه لنفسها من حسنات.

والشيوعية تقول في هذا الصدد إن "الذي يملك هو الذي يحكم" وإن "الطبقة" التي تملك وتحكم تضع التشريعات لحسابها الخاص على حساب الطبقات الأخرى. وإنه في الديمقراطية الليبرالية يكون المال في يد الطبقة الرأسمالية فهي التي تملك، ومن ثم فهي التي تحكم، وهي التي تضع التشريعات التي تحمي مصالحها ضد مصالح الطبقة الكادحة.

وهذه القولة صادقة إلى حد كبير.. وتوشك أن تكون صادقة كل الصدق لولا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015