جاه المنصب -أو دائمة بسبب آخر- إذا امتنع عن إيذاء الضعيف واضطهاده وإذلاله، فلن يمنعه إلا الشعور "الإنساني" وإلا احترام إنسانية الإنسان. فإذا كان الذي يمنعه فقط هو القانون، فالقانون إذن يحمل في طياته احترام إنسانية الإنسان، حتى لو كان الذين ينفذونه يفتقرون إلى الشعور بالإنسانية, ومعاملة المتهم بالذات قد تكون أكثر دلالة من غيرها؛ لأن الضعيف البريء الذي لا ذنب له قد يجد من براءته سندا للعطف عليه عند ذوي القلوب الرحيمة، أما المتهم فشبهة الإدانة تحوطه، وشبهة استحقاقه للعقوبة قائمة، فإذا وجدت النفس الشريرة، المتجبرة بالقوة وبالسلطان، وإذا وجد الحقد الشخصي بالإضافة إلى ذلك، كان الانزلاق إلى

الإيذاء والتعذيب هو الأكثر توقعا. وكذلك كان الحال في التاريخ كله في عهود الاستبداد, المتهم يؤخذ بالشبهة ثم ينكل به تنكيلا دون مبرر حقيقي إلا لذة الاستبداد. والشبهة هي مجرد خوف "السادة" على سيادتهم، ورغبتهم في إحاطة أنفسهم بسياج يحفظ لهم هذه السيادة, يستوي في ذلك أن يكونوا حكاما "فتكون القضية سياسية" أو أغنياء فقط "فتكون القضية جنائية عادية".

فوضع القيد الذي يقيد السادة فيمتنعون أو يمنعون عن تعذيب المتهم والتنكيل به، هو تقرير لجانب من جوانب إنسانية الإنسان، يحسب لا شك في الميزان، لكن الذي ينبغي أن ندركه هو أن السادة لم يضعوا هذا القيد من تلقاء أنفسهم، إنما أكرهوا على قبوله إكراها بالضغط المستمر عليهم، والإلحاح في المطالبة، والإلحاح في كشف خبيئة نفوسهم الخبيثة، بصورة تهدد سلطانهم على الناس, فإن السلطان -حتى سلطان الجبابرة- يقوم دائما على قدر من الاحترام, فإذا ذهب الاحترام من النفوس صعب أو استحال استمرار السادة في سيادتهم وطغيانهم مهما

كان لهم من جبروت.

والذي فجرته الثورة -التي انطلق فيها رد الفعل عن المظالم التي استمرت أكثر من ألف عام- كان هو إزالة القداسة عن ذوي القداسة، سواء من رجال الإقطاع أو من رجال الدين. فلما جاءت الطبقة "المقدسة" الجديدة وهي الطبقة الرأسمالية لم تجد الطريق ممهدا على نفس الصورة التي كان عليها الإقطاع من قبل، بل وجدت الثوار -سواء بأفكارهم أو بأعمالهم- يقفون لها بالمرصاد، ويثيرون السخرية من أعمالها في النفوس، فتنازلت شيئا فشيئا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015