يخالف ذلك وليس على الشرطة أن تثبت "الجريمة" فالشبهة كافية والقانون -الذي وضعه الأغنياء- يوافق على ذلك, ويجعل الناس متهمين حتى تثبت براءتهم، وذلك حتى يكون "الفقراء" تحت تهديد دائم يمنعهم من الخروج على الأدب اللائق في حق الأغنياء.
وأما معارضة الحكومة فيالها من جريمة تبيح السجن والاعتقال والتشريد, وما أيسر التهمة, التحريض على قلب نظام الحكم, أو التحريض على كراهية النظام، أو العيب في أي ذات من الذوات "المقدسة" التي لا يجوز العيب فيها.
وجاهد الشعب وجاهد أحرار الفكر جهادا طويلا مضنيا من أجل تغيير هذه الأوضاع كلها، حتى تقرر في الدساتير أولا ثم في الواقع العملي بعد ذلك أن "المتهم بريء حتى تثبت إدانته" وليس مدينا حتى تثبت براءته كما كان الحال من قبل ... وسعى المجاهدون إلى إبطال حق الحكومة في القبض والاعتقال دون سبب ظاهر، وأصبح من المقرر الآن أنه في خلال مدة محددة من الاعتقال تتراوح بين يوم واحد وأربعة أيام في بعض البلاد لا بد أن يقدم المتهم للتحقيق بتهمة واضحة محددة. وحينئذ تحوطه ضمانات التحقيق وهي تشتمل على حقه في أن يطلب حضور محام عنه أثناء التحقيق لضمان عدم الضغط عليه بالتهديد أو الإغراء. وحقه في ألا يرد على سؤال المحقق دون أن يتعرض من أجل ذلك للتعذيب، وحق المحامي في أن ينبه المتهم في أثناء استجوابه إلى عدم الرد على سؤال معين باعتبار أن المحامي أدرى منه بالمزالق القانونية التي يمكن أن يستدرجه المحقق إليها دون أن يلتفت إلى خطورتها عليه, وباختصار أن تكون الأدلة المادية أو القرائن هي عماد التحقيق، وليس سحب الاعترافات من المتهم عن أي طريق.
وتعتبر هذه الضمانات اليوم من مقاييس التحضر الإنساني، وهي جديرة بأن تكون كذلك، فإن معاملة المتهم تكشف عن مدى احترام إنسانية الإنسان، وليس مقياس الإنسانية هو معاملة السيد للسيد أو الند للند, فهنا تتحكم عوامل أخرى غير احترام الإنسانية في ذاتها. إنما معاملة "الضعيف" أيا كان سبب ضعفه، وسواء كان ضعفه عارضا -كالمتهم- أو دائما كالفقير والمسكين واليتيم ... إلخ، هي التي تكشف؛ لأن القوة هنا تغري بالاستبداد بالضعف.
فإذا امتنع القوي -أيا كان سبب قوته، وسواء كانت قوته عارضة- من