حق العمل:

فرق بين أن يعمل بعض الناس في الأعمال التي يستطيعون الحصول عليها وبين أن يكون حق العمل مقررا بمعنى أن كل طالب عمل ينبغي أن ييسر له الحصول على العمل الذي يصلح له.

ولم يكن هذا الحق مقررا من قبل، واحتاج تقريره إلى جهاد طويل لكي يتقرر نظريا في مبدأ الأمر ثم عمليا بعد ذلك ... وإن كان من الوجهة العملية لم يتقرر كاملا إلى هذه اللحظة في الديقراطيات الرأسمالية لأسباب سنشرحها بعد قليل.

في ظل الإقطاع الذي عاشت فيه أوروبا أكثر من ألف عام لم يكن "حق العمل" شيئا معروفا ولا كان هناك مجال للحديث فيه. فقد كانت الزراعة هي العمل الرئيسي للمجتمع الإقطاعي، وسكان القرية أو الإقطاعية يعملون بحكم الأمر الواقع في أرض الإقطاعية التي يعيشون فيها، قلوا أو كثروا، وقلّت الأرض أو كثرت، فالأرض ومن عليها ملك للإقطاعي يعملون في حقوله ويوزع بعض الأرض عليهم مقابل جعل معين ليزرعوها لأنفسهم إن أمكنهم أن يوفوا بالجعل المتفق عليه، والذي يحدده الإقطاعي حسب هواه دون ضابط معين.

فكل من كبر من الأولاد الذكور من سكان القرية فهو يعمل تلقائيا في الأرض يعاون أباه وأسرته ويسكن في بيت الأسرة، ويأكل من طعامها قل أو كثر، ويلبس ما تتيح له الظروف أن يلبس من المنسوجات اليدوية التي تنتجها القرية، والحياة قليلة التكاليف وإن كان الكل يعيشون عيشة الفقر المدقع ولا يجدون غير الكفاف.

أما في المدينة فقد كان يسكن فريق من موظفي الدولة وهم قليلون، وفريق من أصحاب الصناعات اليدوية -وهي الصناعات الوحيدة يومئذ- وفريق من التجار، وفريق من أصحاب الحوانيت التي تبيع الحاجيات للناس، وأصحاب المقاهي والنزول "الفنادق الصغيرة" وفريق من المرابين اليهود، وفريق من أصحاب الثروات من الإقطاعيين الذين يتنقلون دائما ما بين المدينة وبين بيوتهم -أو قلاعهم- في داخل إقطاعياتهم، وفريق من البغايا اللواتي يعشن على بيع أجسادهن لمن أراد من كل هؤلاء وبصفة خاصة أصحاب الثروات.

خلاصة القول أن كل واحد من سكان المدينة له عمله الذي يعيش منه، أوله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015