البرلمانات، يقال فيها إنه لا يجوز تعليم كل الناس، وإلا فمن أين نأتي بعمال يعملون في المصانع؟! فإن ابن العامل إذا تعلم سيستنكف أن يعمل بيديه كما كان يعمل أبوه! وسيطالب بوظيفة وأنى لنا أن ندبر وظيفة لكل متعلم, ثم من أين نحصل على الخدم, فسوف يستكبر المتعلمون وسيرفضون الخدمة في البيوت فتفسد حياتنا وتتعطل مصالحنا.
وكذلك قضايا الصحة والمرافق العامة! كان النواب المحترمون يعارضون في تعميمها حتى يستفيد منها الفقراء.. ويقولون إن هذه ليست مسئولية الحكومة, إنما كل واحد يدبر لنفسه، وكل واحد حر فيما يصنع لنفسه!
وهكذا ... وهكذا في كل القضايا "العامة" التي يعود النفع فيها على الشعب "دافع الضرائب".
وإنما تغير الحال بعد جهاد طويل، حين ألغيت أو خففت القيود المفروضة على دخول المجالس النيابية فصار هناك من يدافع عن مصالح الفقراء ويطالب لهم بالتعليم الإلزامي المجاني وبتوفير العلاج والرعاية الصحية، وتيسير الخدمات العامة، وأصبحت هذه نقطة بارزة من نقاط الديمقراطية.
كذلك شملت الرقابة البرلمانية أعمال الحكومة الأخرى غير الميزانية بمواردها ومصارفها -وإن ظلت هذه أهم نقاطها- فقد كفت المجالس النيابة يد الحكومة تدريجيا عن "الأفراد" أفراد "الشعب"، فزادت بذلك من "حرية" أولئك الأفراد.
لقد كان الأغنياء -بحكم أموالهم ومكانتهم في الدولة- في حصانة من سلطان القانون وإن كانت الدساتير لا تقول ذلك بصفة رسمية. وقد كان القانون الروماني -الشهير بعدالته- ينص صراحة على التفرقة القانونية بين السيد والعبد، فيحيط الأول بضمانات وحقوق كثيرة, ويخفف عنه العقوبة إذا أجرم، بينما يحيط الأخير بكثير من القيود، ويشدد عليه العقوبات على أقل هفوة تصدر عنه.
وألغت الديمقراطيات هذه التفرقة في نصوصها المكتوبة، ولكنها ظلت قائمة في عالم الواقع فترة غير قصيرة، حتى تراجعت عنها الحكومات خطوة خطوة بجهاد طويل وكفاح قامت به الشعوب، فأخذت الضمانات والحقوق تتسع لتشمل فئات جديدة من "الشعب" حتى صارت تشمله كله في نهاية المطاف.
ويمكن تلخيص هذه الحقوق والضمانات فيما يلي: