وفي كلا الميدانين أحرزت الديمقراطية تقدما ضخما بالنسبة لما كان في عهد الإقطاع وعهد الحكم بمقتضى الحق الإلهي المقدس.
فقد أصبحت رقابة المجالس النيابية كاملة على تصرفات الحكومة الرئيسية وبصفة خاصة "الميزانية" التي تمثل موارد الدولة ومصارفها، والتي كانت من أكبر أبواب المظالم الواقعة على "الشعب" حيث كان الحاكم يفرض من الضرائب ما يحلو له، بمقدار ما يروي نهمه إلى المال الذي كان معظمه ينفق على بذخ الملوك والحكام, وأقله يصرف على الصالح العام.
لم يعد من حق الحكومة أن تفرض ضريبة -أي ضريبة- إلا بموافقة المجالس النيابية، ولم يعد من حقها أن تصرف حصيلة مواردها إلا في الأبواب التي توافق المجالس النيابية عليها، ومن ثم أمسكت تلك المجالس بالزمام بعد أن كانت الحكومات مطلقة اليد في التصرف, وكثيرا ما كنت تسمع -وما تزال- كلمة "دافعي الضرائب" تتردد في أروقة "البرلمانات" على ألسنة النواب، يستصرخون الرحمة على الفقراء دافعي الضرائب ويطلبون التخفيف عنهم، أو يطالبون أن تنفق الأموال لمصلحة دافعي الضرائب؛ لأنهم هم الذين ينبغي أن يستفيدوا قبل أي أحد آخر بحصيلة الضرائب التي يدفعونها.
ومن ثم ظلت الضرائب -خلال نمو الديمقراطية- تخفف تدريجيا عن الفقراء وتزاد على الأغنياء بعد أن كان الحادث هو العكس تماما حيث كان الأغنياء يستمتعون بالثروات الطائلة ولا يدفعون عنها ضرائب على الإطلاق أو يدفعون ضرائب تافهة لا تكاد تذكر، ولا تؤثر أي تأثير على ثرواتهم الضخمة، بينما الفقراء هم الذين يتحملون عبء الضرائب الأكبر! كما وجه الصرف من موارد الدولة -وأهمها الضرائب بطبيعة الحال- على المشروعات العامة التي تصل فائدتها لأكبر عدد من الناس الذين يوصفون بصفة خاصة بأنهم دافعو الضرائب، فزاد الإنفاق تدريجيا على التعليم، وعلى الصحة العامة، وعلى المرافق العامة من طرق وجسور وخدمات، وقل الإنفاق في ذات الوقت على مشروعات الترف التي لا تفيد إلا القلة المترفة من الشعب بعد أن كانت مثل هذه المشروعات هي الشغل الأول للحكومات السالفة وتنفق فيها الأموال الطائلة.
ولم تمر قضية الضرائب سهلة حتى فيما يسمى "المجالس النيابية" فقد كانت تلك المجالس في أول عهدها تمثل الأغنياء أكثر مما تمثل الفقراء أو تمثلهم دون الفقراء في كثير من الأحوال، إذ كانت شروط الترشيح إلى المجالس النيابية