بين رغبة الطبقتين الساعيتين إلى السلطة، إحداهما وهي الطبقة الرأسمالية تملك السلطان الحقيقي، والثانية وهي طبقة الشعب تشارك -بقدر- في السلطان1، وذلك فضلا عن عنصرين آخرين أحدهما إيحاء الفكر الإغريقي القديم وتأثيره على المفكريين الغربيين منذ عصر النهضة، وهو فكر يحمل صورة "تذكارية" للدميقراطية من أيام أثينا وإسبرطة، والثاني هو الشعارات التي وضعتها الماسونية اليهودية للثورة الفرنسية وهي: الحرية والإخاء والمساواة، والديمقراطية هي المنطلق الأنسب لهذه الشعارات، ومن ورائها يحقق اليهود ما يحلو لهم من أهداف.

لذلك كله كانت الديقراطية هي الإطار المناسب للعناصر المتفاعلة في أوروبا في ذلك الحين ... في ظل الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية القائمة في تلك الفترة من الزمان.

ولم يكن الأمر سهلا مع ذلك ولا ميسرا للراغبين.. فقد احتاج إلى صراع طويل مرير حتى استوى على صورته الحالية. وكانت "المكاسب الديمقراطية" تأتي متقطعة وجزئية، ولا تأتي إلا بعد معارضة طويلة من الذين في أيديهم السلطان ولا يرغبون في التنازل عنه، وبعد قيام "الشعب" بالإضراب والعصيان والتمرد، وتعرض دعاة الحرية إلى السجن والاعتقال والتشريد، بتهمة إثارة الشغب والتحريض على الإخلال بالنظام.

وبعد نضال وكفاح استمر قرابة قرن من الزمان استقرت الديمقراطية في صورتها الحالية التي تراها في دول غرب أوروبا وأمريكا، على اختلاف بينها في الجزئيات لا يؤثر في صورتها العامة ومبادئها الرئيسية.

كانت نقطة الانطلاق، أو نقطتا الانطلاق في الحقيقة أولا: وجوب إشراف الشعب على أعمال الحكومة, أي: إلغاء "الحق الإلهي المقدس" وإخضاع الحكومة لرقابة الشعب على تصرفاتها، وفصل السلطات وجعل الحكومة سلطة تنفيذية فحسب، لا سلطة تشريعية.. وثانيا إعطاء الشعب حقوقه "الإنسانية" التي حرم منها أكثر من ألف عام في ظل نظام الإقطاع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015