ولكن هناك مسئولية أكبر في الحقيقة تقع على الأمة المسلمة.
هذه الأمة التي أخرجت "للناس" لتكون خير أمة في التاريخ.
{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} 1.
وكلفها أن تكون شاهدة ورائدة لكل البشرية:
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} 2.
هذه الأمة أين ذهبت وأين مضى بها التيار؟!
في غير هذا الكتاب نتحدث عن خط الانحراف الذي انحرف بهذه الأمة عن خطها السوي وأنساها رسالتها. ولكنا نقول هنا -بصدد تحديد مسئولية "الأمميين" عما أصابهم من الخبال على يد اليهود- إن الأمة الإسلامية لم تكلف -كالأمم المؤمنة السابقة- أن تؤمن في حدود نفسها وتستقيم لذات نفسها فحسب، إنما كلفت -فوق ذلك- أن تهدي البشرية كلها إلى النور الرباني، وأن تسعى -بجهدها وجهادها- إلى إقامة دين الله في الأرض كلها، دون إكراه للناس على اعتناق عقيدة الإسلام، إنما تحكم شريعة الله في كل الأرض، ويخضع الناس جميعا للعدل الرباني المتمثل في شريعته:
{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} 3.
{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} 4.
وقد ظلت هذه الأمة قائمة برسالتها لنفسها وللبشرية عدة قرون، كانت فيها ممكنة في الأرض، وكانت هي موئل الهداية والنور، ولم يكن يبرم أمر في الأرض إلا بإذنها أو برضاها.. وإلا فالحرب قائمة لتأديب المعتدين.. ويومئذ لم يكن لليهود في الأرض سلطان.
ولكن الأمة التي اختارها الله لتكون شاهدة ورائدة للبشرية ظلت تتراجع حتى أهملت رسالتها العالمية، بل شغلت عن رسالتها لذات نفسها، وعندئذ برزت أوروبا إلى الوجود قوة ممكنة في الأرض، فملأت الفراغ الذي خلفته الأمة الإسلامية بتخليها عن رسالتها، حسب السنن الربانية التي يدبر الله بها أمور البشر في الأرض.