إنه حين يكون للأمة دين حقيقي، معمول به في واقع الأرض، فإن اليهود -بكل قدرتهم على الشر- لا يستطيعون أن يصنعوا شيئا ضد هذه الأمة مهما حاولوا.

والتعبير القرآني في آية آل عمران يلفت النظر:

{لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى} .

أي: لن يضروكم في عقيدتكم، ولن يؤثروا في دينكم، ولا في قيام حياتكم على مقتضى هذا الدين. إنما يؤذونكم فقط بأي نوع من الإيذاء، وفرق بين أن يؤذوا أشخاصكم وأن يضروا دينكم, أي: مقومات حياتكم. فإن القتال نوع من الإيذاء. والسباب نوع من الإيذاء. وتأليب الأعداء نوع من الإيذاء كما حدث ما بين اليهود وقريش. والعدوان على بعض الأفراد نوع من الإيذاء. ولكن تبقى الأمة سليمة ما بقي لها دينها، أي: المنهج الذي تقوم حياتها عليه وتستقيم.

أما في أوروبا حيث لم يكن هنالك دين حقيقي، فقد استطاع اليهود أن يضروا -لا بالإيذاء فقط- ولكن بتغيير قواعد الحياة كلها، بل بمسخ الفطرة البشرية ذاتها، وتحويل الناس إلى دواب يركبهم الشعب الشرير.

ومع ذلك فإن اليهود لم يتقدموا للعمل الجاد في إفساد أوروبا إلا حين بدأت أوروبا تتخلى عن كل القيم المستمدة من الدين.

لقد كان الدين مشوها نعم، وليس هو الدين المنزل من عند الله. ولكنه كانت يحمل شيئا من آثار الدين السماوي.

{وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} 1.

نسوا حظا ولكنهم لم ينسوه كله. وهذا الجزء الباقي الذي لم يكونوا قد نسوه هو الذي حال بين اليهود وبين أن يعيثوا فسادا في أوروبا بضعة قرون.

كانت هناك الأخلاق، كانت هناك الأسرة المتينة الرباط، كان هناك النفور من الفاحشة والحياء الأنثوي الفطري اللائق بأنثى الإنسان والذي يميزها عن إناث الحيوان. وكان هناك الحفاظ الشديد على العفة وصيانة العرض، وكان هناك تحريم الربا فيما بين المسيحيين بعضهم وبعض، إلا من وقع في قبضة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015