بالنسبة لأوروبا فشوهت العقيدة أولا، وفصلت العقيدة عن الشريعة ثانيا، وقدمت الدين عقيدة خلوا من الشريعة إلا القليل. فضلا عما اقترفت الكنيسة من الخطايا التي تنفر الناس من الدين.

وينبغي أن ندرك جيدا أن هذه هي نقطة البدء، التي أتاحت لليهود أن يفعلوا كل ما فعلوه, وإن كان ذلك قد استغرق عدة قرون!

فيجب أن نلاحظ أولا أن اليهود لم يبدءوا بالعمل في العالم الإسلامي إنما في العالم المسيحي. وهذا الأمر له دلالته التي لا يجوز إغفالها، فقد حاربوا الإسلام حربا شعواء في زمن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وحاولوا -بكل "عبقريتهم" الشريرة وبكل "جبروتهم" وبكل "تخطيطهم" وتدبيرهم وبكل مكرهم ودهائهم- أن يقضوا على هذه العقيدة وعلى الدولة التي انبثقت عنها فلم يستطيعوا، ورد الله كيدهم في نحورهم، وقال جل شأنه في هذا الصدد:

{لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ} 1، {وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ، إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} 2.

وقال في شأنهم وشأن غيرهم جميعا:

{الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} 3.

وظل كيدهم ضد الإسلام خلال قرون طويلة محصورا في استحداث فرق باطنية تتظاهر بالإسلام وهي بعيدة كل البعد عنه، ولكن هذه الفرق لم تخدع المسلمين، ولم تستطع الحياة بينهم، وظلت منبوذة مبعدة لا تؤثر في جسم الأمة المسلمة ولا في عقائدها ولا في خط سيرها، وظلت الشريعة الإسلامية مطبقة في الأرض الإسلامية ما يزيد على اثني عشر قرنا من الزمان.

أما في أوروبا المسيحية فقد كان الوضع مخلخلا مليئا بالثغرات التي يستطيع اليهود أن ينفذوا منها ويفسدوا من خلالها. والثغرة الكبرى كما أسلفنا كانت تحريف الدين وتشويهه على يد الكنيسة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015