إنه هكذا في الفطرة التي فطرها الله يخرج الرجل ليكدح في خارج البيت، ثم يعود فيجد السكن والسكينة والراحة الجسدية والعصبية والنفسية التي تمحو عنه آثار الكدح، وتعده في الصباح لكدح جديد..

ويجيء الأطفال فيجدون أما ترعاهم بحنانها الفطري وجهدها الدءوب الذي يتسع لمطالبهم المتغيرة المتجددة التي لا تكف.. ويتعلمون في حضنها معنى الحب، تتغذى به أرواحهم الغضة فيوازن في نفوسهم -فيما بعد- مشاعر الصراع التي يثيرها الكدح لإشباع النوازع والرغبات.. ويجدون أبا يحيط هذه الأسرة كلها برعايته وحبه وتوجيهه وقيادته فيتعلمون تحت قيادته الانضباط والاستقامة على النهج كما يتعلمون من الأبوين معا معنى التعاون والتراحم والمودة وكل المعاني "الإنسانية" التي تصنع ذلك "الإنسان".

ولكن الفطرة -بصورتها تلك- هي العدو الأكبر للذين يسعون فسادا في الأرض:

{وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} 1.

إنها هي التي تسد في وجوههم الثغرات بما تحكم من إقامة السدود والحواجز أمام الشيطان بقدر ما تركز في نفوس الأطفال من الدين والأخلاق والتقاليد المستمدة من مبادئ الدين..

أفلا يكون تحطيم الأسرة إذن فرحا عظيما للشياطين؟

وكان إخراج المرأة للعمل هو المعول الأكبر لتحطيم الأسرة وإن لم يكن هو المعول الوحيد.

فبادئ ذي بدء فَقَدَ البيت سكنه وسكينته وأصبح كما قلا "ول ديورانت" بحق أشبه بالفندق الذي يأوي إليه المكدودون ليقضوا فيه فترة الليل ثم ينطلقون منه في الصباح كل إلى طريق.

وفَقَدَ الأطفال الأم.. الأم المتخصصة لرعايتهم التي يجدون عندها الحنان الفطري والرعاية اللازمة، فحين تعود الأم العاملة مكدودة كما يعود الرجل، فإنها لا تجد في نفسها ولا أعصابها فضلة تمنحها للبيت، لا للزوج ولا للأطفال.

وعبثا تحاول الجاهلية -أو يحاول الشياطين- أن يقولوا إن الأم الصناعية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015