"ولسنا ندري مقدار الشر الاجتماعي الذي يمكن أن نجعل تأخير الزواج مسئولا عنه. ولا في أن بعض هذا الشر يرجع إلى ما فينا من رغبة في التعدد لم تهذب؛ لأن الطبيعة لم تهيئنا للاقتصار على زوجة واحدة. ويرجع بعضها الآخر إلى ولاء المتزوجين الذين يؤثرون شراء متعة جنسية جديدة على الملال الذي يحسونه في حصار قلعة مستسلمة. ولكن معظم هذا الشر يرجع في أكبر الظن في عصرنا الحاضر إلى التأجيل غير الطبيعي للحياة الزوجية. وما يحدث من إباحة بعد الزواج فهو في الغالب ثمرة التعود قبله. وقد نحاول فهم العلل الحيوية والاجتماعية في هذه الصناعة المزدهرة، وقد نتجاوز عنها باعتبار أنها أمر لا مفر منه في عالم خلقه الإنسان. وهذا هو الرأي الشائع لمعظم المفكرين في الوقت الحاضر. غير أنه من المخجل أن نرضى في سرور عن صورة نصف مليون فتاة أمريكية يقدمن أنفسهن ضحايا على مذبح الإباحية وهى تعرض علينا في المسارح وكتب الأدب المكشوف، تلك التي تحاول كسب المال باستثارة الرغبة الجنسبة في الرجال والنساء المحرومين، وهم في حمى الفوضى الصناعية، من حمى الزواج ورعايته للصحة.
"ولا يقل الجانب الآخر من الصورة كآبة؛ لأن كل رجل حين يؤجل الزواج يصاحب فتيات الشوارع ممن يتسكعن في ابتذال ظاهر. ويجد الرجل لإرضاء غرائزة الخاصة في هذه الفترة من التأجيل نظاما دوليا مجهزا بأحدث التحسينات ومنظما بأسمى ضروب الإدارة العلمية.. ويبدو أن العالم قد ابتدع كل طريقة يمكن تصورها لإثارة الرغبات وإشباعها"..
"وأكبر الظن أن هذا التجدد في الإقبال على اللذة، قد تعاون أكثر مما نظن مع هجوم دارون على المعتقدات الدينية. وحين اكتشف الشبان والفتيات -وقد أكسبهم المال جرأة- أن الدين يشهر بملاذهم التمسوا في العلم ألف سبب وسبب للتشهير بالدين. وأدى التزمت في حجب الحياة الجنسية والزهد فيها إلى رد فعل في الأدب وعلم النفس صوَّر الجنس مرادفا للحياة. وقد كان علماء اللاهوت قديما يتجادلون في مسألة لمس يد الفتاة أيكون ذنبا؟ أما الآن فلنا أن ندهش ونقول: أليس من الإجرام أن نرى تلك اليد ولا نقبلها؟ لقد فقد الناس الإيمان وأخذوا يتجهون نحو الفرار من الحذر القديم إلى التجربة الطائشة"..
"وكانت الحرب العظمى الأولى آخر عامل في هذا التغيير. ذلك أن تلك الحرب قوضت تقاليد التعاون والسلام المتكونين في ظل الصناعة والتجارة،