بالظهور، فقد كانوا -في كل مرة يدعون الصحف تفسح صدرها للرأي المعارض مهما كانت شدة لهجته وقساوة عباراته!

وهذا "فن" بارع ولا شك!

فمن ناحية لم تكن الصحافة هي المجال الوحيد لأداء الرأي، بل كان إلى جانبه الخطابة والمحاضرة والتأليف. "ولم تكن وسائل الإعلام الأخرى قد اخترعت بعد، من إذاعة وسينما وتليفزيون.. إلخ" فلو أن الصحافة أغلقت أبوابها دون الرأي المعارض -وهو في حدته- لانكشف للناس تحيزها.

وانكشف اللاعبون من ورائها، وفشلت اللعبة من أولها! بل ينبغي أن تبقى الصحافة "حرة! " في ظاهرها حتى يطمئن الناس إليها وتصبح أداة جبارة لتشكيل "الرأي" العام على النحو المطلوب.

ومن ناحية أخرى فإن المعارضة والشد والجذب بين الرأي المعارض والرأي المؤيد، مطلوبان -لذاتهما- من أجل إنجاح المعركة والوصول بها -في النهاية- إلى الهدف المطلوب!

هب أن الرأي المطلوب إرساء قواعده -وهو إعطاء المرأة حق الانتخاب مثلا- قد ألقى في الصحف أو في أي مجال من مجالات الإعلام فلم يأبه بمعارضته أحد ولم يتقدم لمناقشته وتفنيده أحد, أتراه ينجح أو يصل إلى هدفه؟ كلا! إنما يموت لتوه ويغطيه النسيان! ويكون في حس الناس أن مجنونا أخرق تقدم برأي شاذ فلم يأبه به أحد!

أما حين تدور المعركة, بالمعارضة، وإن اشتدت في بادئ الأمر، فهذا هو الضمان أن ينشغل الناس بالقضية ويولونها اهتمامهم، وهذه هي الخطوة الأولى في طريق النجاح! ويكفي -في مبدأ الأمر- أن تدور المعركة حول الرأي! فمعنى ذلك أن الموضوع قابل للمناقشة, وأن هناك وجهات نظر مختلفة فيه -ولو كان بعضها ضعيفا غاية الضعف- وأن الأوضاع القائمة "المراد إزالتها" ليست حقيقة نهائية مقررة لا تقبل النقاش!.

وما دام قد تقرر المبدأ، وهو أن الأمر قابل للنقاش وليس حقيقة نهائية فمن باب "الحرية! " ينبغي أن يسمح لكل الناس بإبداء آرائهم سواء كانوا مؤيدين أو معارضين، ليتاح "للرأي العام" أن يحكم على الأمر!

عندئذ تأتي الخطوة "الفنية" التالية، وهي الإلحاح المستمر على وجهة النظر المطلوبة، والتقليل التدريجي من الرأي المعارض، مهما كان قويا في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015