التوحيد هو "الميزان" الذي يضبط النفس والحياة.
فالإنسان عابد بفطرته.
{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} 1.
وقد تهتدي النفس بميثاق الفطرة وقد تضل عنه. ولكنها -بما أودع في فطرتها- تظل دائما تبحث عن الإله.... تبحث عن "المعبود"2.
ومن ثم فإن الإنسان لا بد أن يعبد.. يعبد الله أو يعبد شيئا غير الله.
وليس الفارق بين إنسان وإنسان أن هذا يعبد وهذا لا يعبد. إنما الفارق في المعبود: أهو الله سبحانه وتعالى، المستحق للعبادة، أم غيره من الآلهة التي لا واقع لها في الحقيقة.
وتتعدد المعبودات من دون الله وتختلف باختلاف الزمان والمكان، واختلاف مبلغ الجاهلية من "العلم" الأرضي، وتتوحد عبادة الله فلا تتغير طبيعتها باختلاف الزمان والمكان3.
كان الناس في جاهلياتهم المختلفة يعبدون "الأب" أو يعبدون "الطوطم" أو يعبدون "قوى الطبيعة" المختلفة من رعد وبرق وريح ومطر، ويعبدون الأفلاك من شمس وقمر ونجوم، أو يعبدون الأصنام والأوثان، أو يعبدون البشر من الأنبياء والقديسين والأحبار والرهبان، أو يعبدون الطبيعة ... ثم عبد الإنسان ذاته في الجاهلية المعاصرة، ثم تعددت المعبودات فصار اسمها الوطن أو الدولة أو القومية أو المذهب أو الحزب أو الزعيم. أو الجنس أو الإنتاج المادي أو الدولار4.
كلها معبودات يتخذها الناس أربابا من دون الله، وتتحكم في حياتهم فيسيرون على مقتضى ما تأمرهم به في الوهم أو الحقيقة.
وفي جميع تلك الأحوال يكون الناس عابدين لأربابهم وخاضعين لما تأمرهم به تلك الأرباب.