عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} 1 ثم جاء الأمر بالقتال لإخضاع الأرض كلها لشريعة الله: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} 2.

ولكن الكنيسة حملت هذه القصة -على فرض صحتها- فوق ما تحتمل وزعمت أن معناها أن من حق قيصر أن يحكم عالم الأرض على أن يحكم الله عالم السماء، أو أن الأبدان لقيصر يفعل بها ما يشاء في الحياة الدنيا، ولله الأرواح في الآخرة! وهكذا سمحت للعالم المسيحي أن يحكمه القانون الروماني في كل شئونه ما عدا "الأحوال الشخصية" من زواج وطلاق.. إلخ. وأن ينحصر سلطان الله على عباده في مشاعر الخشوع والتقوى والشعائر التعبدية..

والأحوال الشخصية التي لا يهتم بها قيصر إذا ما تركت لشريعة الله! وتم بذلك فصل العقيدة عن الشريعة، وتم المسخ الكامل لدين الله!

هذا الدين -بهذه الصورة- لم يكن صالحا للحياة.

فما يصلح دين تشوه عقيدته على هذا النحو، ثم تفصل الشريعة فيه عن العقيدة وتحصر في أضيق نطاق.

غن الدين يأتي لإصلاح الأرض وإقامة حياة الناس بالقسط.

{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} 3.

{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ، وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} 4.

{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} 5.

وهذا الإصلاح الذي يقيمه الدين في الأرض ينشأ من انصياع الناس لحقيقة ضخمة هي حقيقة التوحيد، بكل أبعادها وكل مقتضياتها، فتنضبط بها حركة النفس وحركة الحياة البشرية على السواء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015