وكما أن الوضع في المجتمع الزراعي لم يكن فضيلة ولا شيئا مرغوبا في ذاته، إنما مجرد انعكاس للطور الاقتصادي فكذلك لا يعد "الانحلال" في المجتمع الصناعى رذيلة، إنما هذه وتلك هى السمات المصاحبة لهذا الطور وذاك، لا توصف في أي الحالين بأنها فضيلة أو رذيلة. إنما كل شيء في إبانه هو الصواب؛ لأنه هو الانعكاس الطبيعي للطور الاقتصادي الذي يقرر -وحده- كل العقائد والقيم والمبادئ فإذا تغير الطور لم يعد صوابا ما كان صوابا من قبل، إنما يكون استمراره ظاهرة مرضية ينبغي أن تقاوم وأن تزال.

فالتدين أمر طبيعي في المجتمع الزراعي، لا يعيبه أحد ولا يستغربه أحد.

ولكنه علامة مرضية في المجتمع الصناعي لا ينبغي أن توجد، وإن وجدت فلا بد أن تحارب؛ لأنها استبقاء لانعكاسات طور لم يعد قائما، ومن ثم فلا بد من إزالتها.

والحفاظ على العرض أمر طبيعى في المجتمع الزراعي كذلك, تفرضه الطبيعة الاقتصادية للطور الزراعي، ومن ثم لا يستغربه أحد ولا يعترض عليه أحد، فإذا انتقلنا إلى المجتمع الصناعى فقدت القضية أهميتها نتيجة تحرر المرأة اقتصاديا وإنفاقها على نفسها. ومن ثم يصبح من يحافظ على أهمية العفة أو يطالب بالمحافظة عليها "رجعيا" لأنه يريد أن "يرجع" إلى القيم التي كانت مصاحبة لطور اقتصادي سابق، انتهى عهده، وصرنا إلى ما هو "أرقى" منه حسب سنة التطور الدائم إلى أعلى! وهذا سخف لا ينبغي أن يتصف به إنسان "متطور"! فضلا عن أنه مستحيل.. لأن عقارب الساعة لا يمكن أن ترجع إلى الوراء ولأن عجلة التطور ستسحق كل من يقف أمامها وتخمد صوته إلى الأبد!

وكذلك الأمر بالنسبة لترابط الأسرة..

فمن طبيعة المجتمع الزراعي أن تتكاثر الأسرة وهي في البيت الواحد أو في بيوت متلاصقة متقاربة، لا لأن ذلك فضيلة في ذاته أو شيء مستحسن، لكن لأن ذلك من طبيعة الطور الاقتصادي ومستلزماته؛ لأن رجال الأسرة كلها يتعاونون في الزراعة، وكلما كثر أفراد الأسرة زاد إنتاجها الزراعي، فيحقق ذلك مصلحة اقتصادية للأسرة. أما في المجتمع الصناعى فكل عامل شخصيته مستقلة لا ارتباط بينه وبين غيره من الناحية الاقتصادية، ومن ثم تستقل كل أسرة صغيرة -أي: الأب والأم والأولاد- ببيت مستقل، وكلما كبر أحد الأولاد وتزوج استقل بأسرته الصغيرة في بيت خاص. وتفقد الأسرة الكبيرة ترابطها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015