الزراعي: التدين، وترابط الأسرة، وسيطرة الرجل على الأسرة بكل أعضائها، أي: على الزوجة والأولاد، ويرد هذا كله إلى أسباب مادية واقتصادية فلا يقول إنه يرجع إلى قيم معنوية، ولا يقول إن هذا -في ذاته- أمر طيب وفاضل ومستحب أو واجب، إنما هو انعكاس لأوضاع مادية واقتصادية.

فالفلاح -وهو المنتج الرئيسي في المجتمع الزراعى- يضع البذرة في الأرض، ثم لا يستطيع أن يسيطر عليها ولا أن يستعجلها عن موعدها، ولا أن يقيها من الآفات والتأثيرات الجوية المختلفة، ومن ثم "يفترض! " وجود قوة غيبية، يكل إليها هذا الأمر كله، الذي يعجز عن التحكم فيه والسيطرة عليه، ويروح يترضى هذه القوة الغيبية بالعبادات، والنسك والقرابين، لكي ترضى عنه وتبارك زرعه، ولكي يتقي غضبها عليه وانتقامها منه.. ومن ثم يكون التدين قويا ويكون سمة بارزة للمجتمع الزراعي.

ثم إن الرجل في المجتمع الزراعي هو المتكسب، وهو الذي ينفق على الزوجة والأولاد، ومن ثم يسيطر عليهم ويبسط سلطانه. ويكون سلطانه أشد ما يكون على الزوجة، فيفرض عليها أن تكون له وحده، ومن ثم تصبح قضية العفة والمحافظة على العرض ذات قيمة كبيرة في المجتمع الزراعي، ويفرض على المرأة أن تحافظ على عرضها "إرضاء لأنانية الرجل المتكسب المنفق" ويضفي على ذلك ثوب الدين والأخلاق، فتصبح قضية العفة قضية دينية وأخلاقية في حين أنها مجرد انعكاس لوضع اقتصادى معين يكون الرجل فيه هو المتكسب دون المرأة.

فإذا تحول الناس إلى المجتمع الصناعي المتطور تغير الأمر بالكلية. فالعامل هنا غير محتاج "لافتراض! " القوة الغيبية التي كان يلجأ إليها العامل الزراعي؛ لأنه يتولى عملية الإنتاج بنفسه. فهو الذي يعالج المادة الخامة ويشكلها كما يريد.. ومن ثم يقل التدين إلى أقصى حد في المجتمع الصناعي.

ومن جانب آخر فإن المرأة تستقل اقتصاديا؛ لأنها تعمل وتتكسب ولا تعود عالة على الرجل كما كانت في المجتمع الزراعي "المتأخر" ومن ثم يفقد الرجل سيطرته عليها ولا يعود في إمكانه أن يفرض عليها أن تكون له وحده، كما كان يفرض عليها في المجتمع الزراعى.. فتتحرر من القيود، وتفقد قضية العفة أهميتها في المجتمع الصناعى المتطور؛ لأنه أصبح من حق المرأة أن تهب نفسها لمن تشاء دون سيطرة للرجل عليها..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015